للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا وسخ، ولا شعث ثمّ، وإنما هي للتلذذ، والترفه. {وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلاً} أي: سخرت ثمارها لهم تسخيرا، يأكلون منها قياما، وقعودا، ومضطجعين، ويتناولونها كيف شاؤوا، وعلى أي حال أرادوا، وفي سورة (الحاقة): {قُطُوفُها دانِيَةٌ،} وفي سورة (الرحمن) الآية [٥٤]: {وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ} هذا؛ و {قُطُوفُها} جمع: قطف بكسر القاف بمعنى مفعول، كالذّبح بمعنى المذبوح، وهو ما يجتنيه الجاني من الثمار، وأما القطف بالفتح؛ فالمصدر، والقطاف بالفتح، والكسر: وقت القطاف. هذا؛ والمذلل: القريب المتناول من قولهم: حائط ذليل، أي: قصير، و {ذَلُولٌ} لم تذلل للركوب، ولا للسقي، ولا للحرث. قال تعالى: {قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ} رقم [٧١] من سورة (البقرة) وقال امرؤ القيس من معلقته رقم [٤٧]: [الطويل]

وكشح لطيف كالجديل مخصّر... وساق كأنبوب السّقيّ المذلّل

تنبيه: قال الجمل نقلا عن كرخي: فإن قيل: كيف يوصف ظلها، أي: ظل ما فيها من الأشجار. مع أن الظل إنما يوجد حيث توجد الشمس، ولا شمس في الجنة؛ حتى يظل أهلها ما فيها من الأشجار؟ فالجواب أن المراد: أن أشجار الجنة تكون بحيث لو كانت هناك شمس، لكان ظل تلك الأشجار قريبا منهم. انتهى.

الإعراب: {وَدانِيَةً:} فيها أوجه: أحدها: أنها عطف على محل {لا يَرَوْنَ،} الثاني: أنها معطوفة على {مُتَّكِئِينَ} فيكون فيها ما فيها، ودخلت الواو للدلالة على أن الأمرين يجتمعان لهم، كأنه قيل: وجزاهم جنة جامعين فيها بين السلامة من الحر، والقر، ودنو الظلال عليهم.

الثالث: أنها صفة لموصوف محذوف، أي: وجنة دانية. قاله أبو البقاء. الرابع: أنها صفة ل‍: {جَنَّةً} الملفوظ بها. قاله الزجاج. انتهى. جمل نقلا عن السمين. هذا؛ وقال الفراء:

منصوب على المدح، أي: دنت دانية. هذا؛ وقرئ برفع (دانية) على أنه خبر مقدم، و {ظِلالُها} مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية في محل نصب حال من فاعل {لا يَرَوْنَ}. قاله الزمخشري. وقال مكي: في موضع الحال من الهاء، والميم، أو من المضمر في {مُتَّكِئِينَ} وقول الزمخشري أحق بالاعتبار. {عَلَيْهِمْ:} جار ومجرور متعلقان ب‍: (دانية). {ظِلالُها:} فاعل بدانية، أو هو مبتدأ مؤخر حسبما رأيت. هذا؛ وينبغي أن تعلم: أن (دانية) في الأصل صفة {ظِلالُها} فلما تقدم النعت على المنعوت انتصب، ومثله قوله تعالى في سورة (الأنبياء) رقم [٣]: {لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ} وقوله تعالى في سورة (القلم) رقم [٤٢]: {خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ}. {وَذُلِّلَتْ:} الواو: واو الحال.

(ذللت): فعل ماض مبني للمجهول، والتاء للتأنيث. {قُطُوفُها:} نائب فاعل، و (ها): في محل جر بالإضافة، والجملة الفعلية معطوفة على (دانية) فهي في محل نصب حال مثلها، وهي على تقدير: «قد» قبلها. هذا؛ وقال الزمخشري: فإن قلت: فعلام عطف: {وَذُلِّلَتْ؟} قلت: هي إذا رفعت (دانية) جملة فعلية معطوفة على جملة ابتدائية، وإذا نصبتها على الحال، فهي حال من

<<  <  ج: ص:  >  >>