للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تدري ماذا جرى من ابنك هذا؟ فقال عبد المطلب: ماذا جرى؟ فقال: إني أنخت الناقة، وأركبته خلفي، فأبت الناقة أن تقوم، فأركبته أمامي، فقامت. وقال عبد الله بن عباس-رضي الله عنهما-:

رده الله إلى جده بيد عدوّه، كما فعل بموسى عليه السّلام حين حفظه عند فرعون عدوه.

وقيل: الضلال هنا بمعنى: الحيرة، وذلك؛ لأنه صلّى الله عليه وسلّم كان يخلو في غار حراء في طلب ما يتوجه به إلى ربه؛ حتى هداه الله لدينه. وقال الجنيد-رحمه الله تعالى-: ووجدك متحيرا في بيان ما أنزل الله إليك، فهداك لبيانه. فهذا ما قيل في هذه الآية. ولا يلتفت إلى قول من قال:

إنه صلّى الله عليه وسلّم كان قبل النبوة على ملة قومه، فهداه الله إلى الإسلام؛ لأن نبينا صلّى الله عليه وسلّم، وكذلك الأنبياء قبله؛ منذ ولدوا؛ أنشئوا على التوحيد، والإيمان قبل النبوة، وبعدها، وأنهم معصومون قبل النبوة من الجهل بصفات الله، وتوحيده. ويدل على ذلك: أن قريشا عابوا النبي صلّى الله عليه وسلّم، ورموه بكل عيب سوى الشرك، وأمر الجاهلية، فإنهم لم يجدوا إلى ذلك سبيلا؛ إذ لو كان فيه؛ لما سكتوا عنه، ولنقل ذلك. فبرأه الله تعالى من جميع ما قالوه فيه، وعيروه به، ويؤكد هذا ما روي في قصة بحيرا الراهب حين استحلف النبي صلّى الله عليه وسلّم باللات، والعزى، فقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لا تسألني بهما، فو الله ما أبغضت شيئا بغضهما».

هذا؛ وضل أكثر ما يستعمل بمعنى: كفر، وأشرك، وهو ضد: اهتدى، واستقام، ومصدره:

الضلال ويأتي (ضل) بمعنى: غاب، كما في قوله تعالى: {وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ} ويأتي بمعنى: خفي، يخفى. قال تعالى في سورة (طه) حكاية عن قول موسى لفرعون: {قالَ عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى}. وضل الشيء: ضاع، وهلك، وضل: أخطأ في رأيه، ولولا هذا المعنى؛ لكفر أولاد يعقوب بقولهم في حضرته: {تَاللهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ} وقولهم في غيبته: {إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ}. وضل تحير، وهو أقرب ما يفسر به في هذه الآية.

هذا؛ وأضل، يضل غيره من الرباعي، ومصدره: الإضلال، فهو متعد، والثلاثي لازم، ومصدره: الضلال، وهو الخروج عن جادة الحق، والانحراف عن الصراط المستقيم. وينبغي أن تعلم: أن طريق الهدى واحدة، لا اعوجاج فيها، ولا التواء، وأما الضلال؛ فطرقه كثيرة، ومتشعبة. قال تعالى في سورة (يونس) على نبينا، وحبيبنا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام:

{فَذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَماذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ} الآية رقم [٣٢] سورة (يونس). وقال الشاعر الحكيم: [البسيط]

الطّرق شتّى وطرق الحقّ مفردة... والسّالكون طريق الحقّ أفراد

لا يعرفون ولا تدرى مقاصدهم... فهم على مهل يمشون قصّاد

والناس في غفلة عمّا يراد بهم... فجلّهم عن سبيل الحق رقّاد

<<  <  ج: ص:  >  >>