للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاّ قَلِيلاً،} وقال بعضهم: إن هناك لطيفة ربانية لا يعلمها إلا الله تعالى، فمن حيث تفكرها تسمى: عقلا، ومن حيث حياة الجسد بها تسمى:

روحا، ومن حيث شهوتها تسمى: نفسا، فالثلاثة متحدة بالذات، مختلفة بالاعتبار.

هذا؛ وقد ذكر القرآن الكريم أن النفس على خمس مراتب: الأمارة بالسوء، واللوامة والمطمئنة، والراضية، والمرضية، ويزاد الملهمة، والكاملة، فالأمارة بالسوء هي التي تأمر صاحبها بالسوء، ولا تأمر بالخير إلا نادرا، وهي مقهورة ومحكومة للشهوات، وإن سكنت لأداء الواجبات الإلهية، وأذعنت لاتباع الحق، لكن بقي فيها ميل للشهوات سميت: لوامة، وإن زال هذا الميل، وقويت على معارضة الشهوات، وزاد ميلها إلى عالم القدس، وتلقت الإلهامات سميت: ملهمة، فإن سكن اضطرابها، ولم يبق للنفس الشهوانية حكم أصلا؛ سميت: مطمئنة، فإن ترقت من هذا، وأسقطت المقامات من عينها، وفنيت عن جميع مراداتها؛ سميت: راضية، فإن زاد هذا الحال عليها؛ صارت مرضية عند الحق وعند الخلق، فإن أمرت بالرجوع إلى العباد لإرشادهم وتكميلهم؛ سميت: كاملة، فالنفس سبع طبقات، ولها سبع درجات كما ذكرت، وقدمت، وأخيرا خذ ما ذكره القرطبي رحمه الله تعالى: وفي الخبر عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «ما تقولون في صاحب لكم، إن أكرمتموه، وأطعمتموه، وكسوتموه، أفضى بكم إلى شرّ غاية؟ وإن أهنتموه وأعريتموه، وأجعتموه أفضى بكم إلى خير غاية؟! قالوا: يا رسول الله، هذا شرّ صاحب، قال: فو الّذي نفسي بيده، إنها لنفوسكم الّتي بين جنوبكم».

الإعراب: {وَما}: الواو: واو الحال. (ما): نافية. {أُبَرِّئُ}: مضارع، والفاعل مستتر تقديره: «أنا». {نَفْسِي}: مفعول به منصوب، وعلامة نصبه فتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم، منع من ظهورها اشتغال المحل بالحركة المناسبة، والياء في محل جر بالإضافة، وجملة: {وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي} في محل نصب حال من فاعل {أَخُنْهُ} المستتر، والرابط: الواو، والضمير. {إِنَّ}:

حرف مشبه بالفعل. {النَّفْسَ}: اسمها. {لَأَمّارَةٌ}: خبرها، واللام هي المزحلقة. {بِالسُّوءِ} متعلقان ب‍ (أمارة). {إِلاّ} أداة استثناء. {ما}: اسم موصول، أو نكرة موصوفة مبنية على السكون في محل نصب على الاستثناء المنقطع. {رَحِمَ رَبِّي}: ماض وفاعله، والجملة الفعلية صلة (ما) أو صفتها، والعائد أو الرابط محذوف؛ إذ التقدير: إلا الذي، أو شخصا رحمه ربي، هذا؛ وأجاز أبو البقاء اعتبار (ما) مصدرية، وقدر: إن النفس لأمارة بالسوء إلا وقت رحمة ربي، والأول أقوى، والجملة الاسمية: {نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ..}. إلخ تعليل للنفي لا محل لها، وهي تحتمل أن تكون جوابا لسؤال مقدر، كأن قائلا قال: لم لا تبرئ نفسك؟ قال: لأن النفس..

إلخ، والجملة الاسمية: {إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ} مستأنفة لا محل لها. تأمل، وتدبر.

<<  <  ج: ص:  >  >>