للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجاهلية، فنكس الرجل رأسه، واستحيا، فنزلت الاية الكريمة. هذا قول ابن عباس-رضي الله عنهما-، ونزلت آية المجادلة رقم [١١].

وقال الضحاك-رضي الله عنه-: نزلت في وفد بني تميم الذين تقدم ذكرهم في أول السورة، استهزؤوا بفقراء الصحابة، مثل: عمار، وخباب، وبلال... إلخ لما رأوا من رثاثة حالهم، فنزلت في الذين آمنوا منهم. والمعنى: لا يستهزئ غني بفقير، ولا مستور عليه بذنب بمن لم يستر، ولا ذو حسب بلئيم، وأشباه ذلك مما ينتقصه به، ولعلّه عند الله خير منه، وهو فحوى قوله تعالى: {عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ}. وخذ ما يلي:

عن حارثة بن وهب-رضي الله عنه-قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ألا أخبركم بأهل الجنّة؟! كلّ ضعيف مستضعف لو يقسم على الله؛ لأبرّه، ألا أخبركم بأهل النّار؟! كلّ عتلّ جوّاظ مستكبر». رواه البخاري، ومسلم، وابن ماجه. وعن حذيفة-رضي الله عنه-قال: كنا مع النبي صلّى الله عليه وسلّم في جنازة، فقال: «ألا أخبركم بشرّ عباد الله؟! الفظّ المستكبر. ألا أخبركم بخير عباد الله؟! الضعيف المستضعف ذو الطّمرين، لا يؤبه له، لو أقسم على الله؛ لأبرّه». رواه أحمد، والأحاديث في ذلك كثيرة مستفيضة.

{وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ} أي: لا يستهزئ نساء من نساء: روي: أن هذه الجملة نزلت في نساء النبي صلّى الله عليه وسلّم عيّرن أم سلمة-رضي الله عنها-بالقصر. وعن ابن عباس-رضي الله عنهما-أنها نزلت في صفية زوج النبي صلّى الله عليه وسلّم، قال لها بعض نساء النبي صلّى الله عليه وسلّم: يهودية بنت يهوديين. وعن أنس -رضي الله عنه-، بلغ صفية-رضي الله عنها-: أنّ حفصة بنت عمر-رضي الله عنهما-قالت:

بنت يهودي، فبكت، فدخل عليها النبي صلّى الله عليه وسلّم، وهي تبكي، فقال: ما يبكيك؟ قالت: قالت لي حفصة: إني بنت يهوديّ، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «وإنّك لابنة نبي، وعمّك لنبي، وإنك لتحت نبي، ففيم تفتخر عليك؟!». ثم قال: «اتّقي الله يا حفصة». أخرجه الترمذي وفي رواية أخرى: «هلاّ قلت: إن أبي هارون، وإن عمي موسى، وإن زوجي محمد» فأنزل الله هذه الاية. هذا؛ وقال القرطبي-رحمه الله تعالى-: أفرد الله النساء بالذكر؛ لأن السخرية منهن أكثر. وبالإضافة لما ذكرته من أحاديث، فخذ ما يلي: وهو يشمل الرجال، والنساء:

فعن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله لا ينظر إلى صوركم، وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم، وأعمالكم». أخرجه الإمام مسلم، وفحوى ما تقدم وجوب أن يعتقد كل واحد: أن المسخور منه ربما كان عند الله خيرا من الساخر؛ إذ لا إطلاع للناس إلا على الظواهر، ولا علم لهم بالسرائر، والذي يزن عند الله خلوص الضمائر، فينبغي أن لا يجترئ أحد على الاستهزاء بمن تقتحمه عينه إذا رآه رثّ الحال، أو ذا عاهة في بدنه، أو غير لبيق في محادثته، فلعلّه أخلص ضميرا، وأتقى قلبا ممن هو على ضد صفته، فيظلم نفسه بتحقير

<<  <  ج: ص:  >  >>