للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من وقره الله تعالى. فعن ابن مسعود-رضي الله عنه-: البلاء موكّل بالقول، لو سخرت من كلب؛ لخشيت أن أحوّل كلبا. وخذ ما يلي:

فعن الحسن-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ المستهزئين بالناس يفتح لأحدهم في الاخرة باب من الجنة، فيقال له: هلمّ، فيجيء بكربه، وغمّه، فإذا جاءه أغلق دونه، ثم يفتح له باب آخر، فيقال له: هلمّ هلمّ، فيجيء بكربه، وغمّه، فإذا جاءه أغلق دونه، فما يزال كذلك؛ حتّى إنّ أحدهم ليفتح له الباب من أبواب الجنة، فيقال له: هلمّ، فما يأتيه من الإياس». رواه البيهقي مرسلا.

فائدة جليلة: لم يقل الله: لا يسخر رجل من رجل، ولا امرأة من امرأة إيذانا بإقدام غير واحد من رجالهم، وغير واحدة من نسائهم على السخرية، واستفظاعا للشأن الذي كانوا عليه، ولأن مشهد الساخر لا يكاد يخلو ممن يتلهى، ويستضحك على قوله، ولا يأتي ما عليه من النهي والإنكار الواجب على المسلم السامع، فيكون شريك الساخر في تحمل الوزر، وكذلك كل من يستطيبه، ويضحك منه، فيؤدي ذلك وإن أوجده واحد إلى تكثير السخرة، وانقلاب الواحد جماعة، وقوما.

{وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ} أي: لا يعب بعضكم بعضا، ولا يطعن بعضكم في بعض، والمراد بالأنفس: الإخوان هنا، والمعنى: لا تعيبوا إخوانكم من المسلمين؛ لأنهم كأنفسكم، فإذا عاب عائب أحدا بعيب؛ فكأنه عاب نفسه، فهو كقوله تعالى في سورة (النساء) [٢٩]: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} أي: لا يقتل بعضكم بعضا؛ لأن المؤمنين كنفس واحدة، فكأنه بقتل أخيه قاتل نفسه.

وكقوله تعالى في سورة (النور) رقم [٦١]: {فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ}. واللمز: العيب، والطعن. قال تعالى في سورة (التوبة) رقم [٥٨]: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ..}. إلخ وقال في رقم [٧٩] منها: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ..}. إلخ.

{وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ:} فعن أبي جبيرة بن الضحاك الأنصاري، أخو ثابت بن الضحاك -رضي الله عنهما-، قال: فينا نزلت هذه الاية في بني سلمة، قدم علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وليس من رجل، إلا وله اسمان، أو ثلاثة، فجعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، يقول: يا فلان! فيقولون: مه يا رسول الله، إنه يغضب من هذا الاسم، فأنزل الله تعالى: {وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ..}. إلخ. أخرجه أبو داود. وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: التنابز بالألقاب أن يكون الرجل عمل السيئات، ثم تاب عنها، فنهي أن يعير بما سلف من عمله. وقيل: هو قول الرجل للرجل: يا فاسق! يا منافق! يا كافر! وقيل: هو أن تقول لأخيك: يا كلب! يا حمار! يا خنزير! ومعنى {تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ:} لقّب بعضهم بعضا، والنبز (بفتحتين) مختص بلقب السوء عرفا.

هذا؛ واللقب على نوعين: لقب ذم، ولقب مدح، فالأول ما أشعر بضعة، كالجاحظ، والأعرج، والأعمش، والأقرع... إلخ، وهذا الذي يحرم التنابز به إلا إذا عرف به، فيجوز

<<  <  ج: ص:  >  >>