بأسراهم أسارى المشركين، فقد رواه الطحاوي مذهبا عن أبي حنيفة، والمشهور: أنه لا يرى فداءهم لا بمال، ولا بغيره خيفة أن يعودوا حربا للمسلمين.
وأما الشافعي فيقول: للإمام أن يختار أحد أربعة على حسب ما اقتضاه نظره للمسلمين، وهي: القتل، والاسترقاق، والفداء بأسارى المسلمين، والمن. ويحتج بأن النبي صلّى الله عليه وسلّم منّ على أبي عزة الجمحي، وعلى ثمامة بن أثال الحنفي، وفادى رجلا برجلين من المشركين، وإليه ذهب ابن عمر، وبه قال الحسن، وعطاء، وأكثر الصحابة، والعلماء، وهو قول الثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق. قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: لما كثر المسلمون، واشتدّ سلطانهم أنزل الله عزّ وجل في الأسارى:{فَإِمّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمّا فِداءً} وهذا القول هو الصحيح؛ ولأنه به عمل النبي صلّى الله عليه وسلّم والخلفاء بعده. وقال أبو حنيفة ومن وافقه من العلماء: هذه الاية منسوخ حكمها بقوله تعالى في سورة (الأنفال) رقم [٥٧]: {فَإِمّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ،} وبقوله عزّ وجل في سورة (التوبة) رقم [٥]: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ..}. إلخ.
{حَتّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها:} يعني أثقالها، وأحمالها، والمراد: أهل الحرب، يعني: حتى يضعوا أسلحتهم، ويمسكوا عن القتال، وأصل الوزر: ما يحمله الإنسان، فسمى الأسلحة وزرا؛ لأنها تحمل. قال الأعشى:[المتقارب] وأعددت للحرب أوزارها... رماحا طوالا وخيلا ذكورا
وسميت أوزارها؛ لأنه لمّا لم يكن لها بد من جرها، فكأنها تحملها، وتستقل بها، فإذا انقضت، فكأنها وضعتها، كما قال الاخر:[الطويل] فألقت عصاها واستقرّت بها النّوى... كما قرّ عينا بالإياب المسافر
وفي الجملة استعارة تصريحية ظاهرة.
طرفة: روي عن بعضهم: أنه قال: كنت واقفا على رأس الحجاج حين أتي بالأسرى من أصحاب عبد الرحمن بن الأشعث، وهم أربعة آلاف، وثمانمئة، فقتل منهم نحوا من ثلاثة آلاف حتى قدم إليه رجل من كندة، فقال: يا حجاج لا جازاك الله عن السنة، والكرم خيرا، قال: ولم ذاك؟ قال: لأنّ الله تعالى قال: {فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا..}. إلخ، في حق الذين كفروا، فو الله ما مننت، ولا فديت، وقد قال شاعركم فيما وصف به قومه من مكارم الأخلاق:[الطويل] ولا نقتل الأسرى، ولكن نفكّهم... إذا أثقل الأعناق حمل المغارم
فقال الحجاج: أفّ لهذه الجيف! أما كان فيهم من يحسن مثل هذا الكلام؟ خلوا سبيل من بقي، فخلّي عن بقية الأسرى، وهم زهاء ألفين بقول ذلك الرجل. هذا؛ وقد أغرب مجاهد، وسعيد بن جبير-رضي الله عنهما-حيث قالا: هو خروج عيسى على نبينا، وحبيبنا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام.