{ذلِكَ} أي: الأمر فيهم ما ذكر من القتل، أو الأسر، وما بعده من المن، والفداء. وهي كلمة يستعملها الفصيح عند الخروج من كلام إلى كلام، كقوله تعالى في سورة (ص) رقم [٥٥]:
{هذا وَإِنَّ لِلطّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ}. {وَلَوْ يَشاءُ اللهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ:} لانتقم منهم بالاستئصال، وأهلكهم بغير قتال ببعض أسباب: من خسف، أو رجفة، أو حاصب، أو غرق، أو موت جارف. وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: لأهلكهم بجند من الملائكة. {وَلكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ:}
ولكن أمركم بالحرب؛ ليختبر المؤمنين بالكافرين بأن يجاهدوهم، ويقاتلوهم، فيستحقوا الثواب العظيم، والمقام الكريم، ويمتحن الكافرين بالمؤمنين بأن يعاجلهم على أيديهم ببعض عذابهم؛ كي يرتدع بعضهم عن الكفر.
{وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ:} يريد قتلى أحد من المؤمنين. {فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ:} فلن يضيعها، بل يوفيهم ثواب أعمالهم، التي عملوها في الدنيا. قال قتادة-رحمه الله تعالى-: ذكر لنا: أن هذه الاية نزلت يوم أحد، ورسول الله في الشعب، وقد فشت فيهم الجراحات، والقتل، وقد نادى المشركون: اعل هبل! ونادى المسلمون: الله أعلى، وأجلّ! وقال المشركون: يوم بيوم بدر، والحرب سجال. فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم:«قولوا: لا سواء، قتلانا في الجنة أحياء عند ربهم يرزقون، وقتلاكم في النار يعذبون». فقال المشركون: لنا العزّى، ولا عزّى لكم. فقال المسلمون: الله مولانا ولا مولى لكم، وقد تقدّم ذكر هذا في سورة (آل عمران). والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.
الإعراب:{فَإِذا:} الفاء: حرف استئناف. (إذا): ظرف لما يستقبل من الزمان، خافض لشرطه، منصوب بجوابه صالح لغير ذلك، مبني على السكون في محل نصب. {لَقِيتُمُ:} فعل، وفاعل، والجملة الفعلية في محل جر بإضافة (إذا) إليها. {الَّذِينَ:} مفعول به، وجملة:{كَفَرُوا} مع المتعلق المحذوف صلة الموصول، لا محلّ لها. {فَضَرْبَ:} الفاء: واقعة في جواب (إذا).
(ضرب): مفعول مطلق نائب عن فعله؛ إذ أصله: فاضربوا الرقاب ضربا، فحذف الفعل، وأقيم المصدر مقامه مضافا إلى المفعول، لذا ففاعله مستتر فيه وجوبا تقديره:«أنت»، والجملة جواب (إذا)، لا محلّ لها.
{حَتّى:} حرف ابتداء، ويعتبرها الأخفش في مثل ذلك جارة ل:{فَإِذا}. {فَإِذا:} مثل سابقتها. {أَثْخَنْتُمُوهُمْ:} فعل، وفاعل، والميم علامة جمع الذكور، وحركت بالضم لتحسين اللفظ، فتولدت واو الإشباع، والهاء مفعول به، والجملة الفعلية في محل جر بإضافة {فَإِذا} إليها. {فَشُدُّوا:} الفاء: واقعة في جواب {فَإِذا}. (شدوا): فعل أمر مبني على حذف النون، والواو فاعله، والألف للتفريق، والجملة الفعلية جواب {فَإِذا،} لا محل لها. {الْوَثاقَ:} مفعول به، و {فَإِذا} ومدخولها كلام مستأنف، لا محلّ له، وعلى قول الأخفش، ف:{حَتّى} ومجرورها متعلقان بالمصدر: (ضرب).