عنه-، وبما جاء في أحاديث من أنّ الله تعالى يباهي بأهل عرفات الملائكة، ولا يباهي إلا بالأفضل، والله أعلم. انتهى قرطبي بتصرف.
{فَلَمّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ:} فيه دليل على أنّ أحدا لا يعلم الغيب؛ إلا ما أعلمه الله تعالى، كالأنبياء، والأولياء، والصدّيقين، فالمنجّمون والكهّان، وغيرهم كذبة، قال تعالى في سورة (الأنعام) رقم [٥٩]: {وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلاّ هُوَ..}. إلخ، وقال تعالى في آخر سورة (لقمان): {إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ..}. إلخ.
انظر شرحهما هناك؛ تجد ما يسرك، ويثلج صدرك. هذا ودخول الاستفهام على النفي في {أَلَمْ} يفيد التوبيخ، والتأنيب، والتقرير.
{وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ} أي: ما تظهرون من قولكم؛ أي:{أَتَجْعَلُ فِيها..}. إلخ. {وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ:} تخفون، وتسرّون من قولكم: لا يخلق ربنا خلقا أكرم عليه منّا.
وقال ابن عباس، وابن مسعود، وسعيد بن جبير-رضي الله عنه-: المراد ما كتمه إبليس في نفسه من الكبر، والمعصية، قال ابن عطية: وجاء {تَكْتُمُونَ} للجماعة، والكاتم واحد في هذا القول دليل على تجوّز العرب، واتساعها، كما يقول لقوم قد جنى سفيه منهم: أنتم فعلتم كذا؛ أي: منكم فاعله، وهذا مع قصد تعنيف. هذا و «كتم» من باب نصر، وربما عدّي «كتم» على مفعولين، فيقال: كتمت زيدا الحديث، وقال تعالى في سورة (النساء) رقم [٤٢]: {يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً،} والأكثر أن يتعدّى إلى الثاني بحرف الجر، قال تعالى في الآية رقم [١٥٩] الآتية: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى..}. إلخ، وتزاد «من» جوازا في المفعول الأول، فيقال: كتمت من زيد الحديث، وكتم الشيء: بالغ في كتمانه، أي في إخفائه، قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم:«استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان». قال صاحب القاموس: والكتم محركة والكتمان بالضم: نبت يخلط بالحنّاء، ويخضّب به الشعر، ويصنع منه مداد الكتابة. انتهى. ورحم البوصيري إذ يقول:[البسيط]
فإنّ أمّارتي بالسّوء ما اتّعظت... من جهلها بنذير الشّيب والهرم
ولا أعدّت من الفعل الجميل قرى... ضيف ألمّ برأسي غير محتشم
لو كنت أعلم أنّي ما أوقّره... كتمت سرّا بدا لي منه بالكتم
الإعراب:{قالَ:} فعل ماض، وفاعله يعود إلى {رَبُّكَ،} والجملة الفعلية مع مقولها مستأنفة لا محل لها، وهي بمنزلة جواب لسؤال مقدر كالتي قبلها. (يا): أداة نداء تنوب مناب: أدعو، أو أنادي. (آدم): مفرد علم مبني على الضم في محل نصب ب (يا)، والجملة الندائية في محل نصب مقول القول. {أَنْبِئْهُمْ:} فعل أمر، وفاعله تقديره: أنت، والهاء مفعول به. {بِأَسْمائِهِمْ:} متعلقان بالفعل قبلهما، وهما في محل نصب مفعوله الثاني، والهاء في محل جر بالإضافة، والجملة الفعلية