للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السماء، فكيف الجمع بينهما؟ قلت: الجواب المشهور: أنه تعالى خلق الأرض أولا، ثم خلق السماء بعدها، ثم بعد خلق السماء دحا الأرض، ومدها. وجواب آخر: وهو أن يقال: إن خلق السماء مقدم على خلق الأرض. فعلى هذا يكون معنى الآية: خلق الأرض في يومين، وليس الخلق عبارة عن الإيجاد، والتكوين فقط، بل هو عبارة عن التقدير أيضا، فيكون المعنى: قضى أن يحدث الأرض في يومين بعد إحداث السماء، فعلى هذا يزول الإشكال. والله أعلم بالحقيقة. انتهى. هذا؛ وقال البيضاوي: والظاهر: أن {ثُمَّ} لتفاوت ما بين الخلقين، لا للتراخي في المدة، لقوله في سورة (النازعات) الآية رقم [٣٠]: {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها} ودحوها متقدم على خلق الجبال من فوقها. انتهى.

{فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً} أي: بسبب ما خلقت فيكما من التأثير، والتأثر، وأبرزا ما أودعتكما من الأوضاع المختلفة، والكائنات المتنوعة. أو المعنى: ائتيا على ما ينبغي أن تأتيا عليه من الشكل، والوصف، ائتي يا أرض قرارا، ومهادا لأهلك، وائتي يا سماء مقبية سقفا لهم، ومعنى الإتيان: الحصول، والوقوع، كما تقول: أتى عمله مرضيا، وقوله: {طَوْعاً أَوْ كَرْهاً} لبيان تأثير قدرته فيهما، وإن امتناعهما من تأثير قدرته محال، كما تقول لمن تحت يدك:

لتفعلنّ هذا؛ إن شئت، أو أبيت، ولتفعلنّه طوعا، أو كرها، ولم يقل: طائعتين على اللفظ، أو طائعات على المعنى؛ لأنهما سموات، وأرضون؛ لأنهن لما جعلن مخاطبات، ومجيبات، ووصفهن بالطوع، والكره؛ قيل: {طائِعِينَ} في موضع طائعات، كقوله تعالى: {السّاجِدِينَ} ولا تنس: الطباق بين {طَوْعاً} و {كَرْهاً}.

هذا؛ وفي قوله تعالى لهما وجهان: أحدهما: أنه قول تكلم به تعالى حقيقة. الثاني: أنها قدرة ظهرت منه لهما، فقامت مقام الكلام في بلوغ المراد. وفي قوله تعالى: {قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ} وجهان أيضا: أحدهما: أنه ظهور الطاعة منهما؛ حيث انقادا، وأجابا، فقام مقام قولهما. وقال أكثر أهل العلم: بل خلق الله فيهما الكلام فتكلمتا كما أراد الله تعالى. هذا؛ وانظر عرض الأمانة على السموات، والأرض، والجبال، وردها في الآية رقم [٧٢] من سورة (الأحزاب).

هذا؛ وفي الكلام استعارة تمثيلية، ويجوز أن يكون من الاستعارة التخييلية بعد أن تكون الاستعارة في ذاتهما مكنية، كما تقول: نطقت الحال بدل: دلّت، فيجعل الحال كالإنسان الذي يتكلم في الدلالة، والبرهان، ثم يتخيل له النطق الذي هو من لازم المشبه به، وينسب إليه. انتهى. جمل بتصرف.

الإعراب: {ثُمَّ:} حرف عطف. {اِسْتَوى:} فعل ماض مبني على فتح مقدر على الألف، والفاعل يعود إلى (الله)، والجملة الفعلية معطوفة على جملة: (جعل فيها...) إلخ. {إِلَى السَّماءِ:} متعلقان بما قبلهما. {وَهِيَ:} والواو: واو الحال، والجملة الاسمية: (هي دخان) في

<<  <  ج: ص:  >  >>