والمنصب، والجاه، والصحة، والعافية، وغير ذلك من متع الحياة، ولذائذها. {وَنَعَّمَهُ:} ورفهه بما أنعم عليه. {فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ:} بما أعطاني، فيفرح بذلك، ولا يحمده، ولا يشكره. هذا؛ وقابل قوله:{وَنَعَّمَهُ،} بقوله: {فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ،} ولم يقابل قوله: {فَأَكْرَمَهُ:} بلفظ:
«فأهانه»؛ لأنه ليس من ضيق عليه في الرزق؛ كان ذلك إهانة له! ألا ترى إلى ناس كثيرين من أهل التقوى، والصلاح مضيّقا عليهم في الرزق.
فإن قيل: كيف سمّي كلّ من الأمرين: من بسط الرزق، وتقتيره ابتلاء؟ أجيب بأن كلا منهما اختبار للعبد، فإذا بسط له؛ فقد اختبر حاله: أيشكر، أم يكفر؟ وإذا قدر عليه رزقه؛ فقد اختبر حاله: أيصبر، أم يجزع؟ فالحكمة فيهما واحدة. فإن قيل: فهلاّ قال: فأهانه، وقدر عليه رزقه، كما قال: فأكرمه ونعمه؟ أجيب بأن البسط إكرام من الله لعبده بإنعامه عليه متفضلا، وأما التقتير؛ فليس بإهانة له؛ لأن الإخلال بالتفضيل لا يكون إهانة، ولكن يكون تركا للكرامة، وقد يكون المنعم مكرما ومهينا، وغير مكرم، ولا مهين، فمثلا إذا أهدى لك زيد هدية؛ قلت: يكرمني بالهدية، وإذا لم يهد إليك؛ لا تقول: أهانني، ولا أكرمني. انتهى. جمل.
الإعراب:{فَأَمَّا:} الفاء: حرف استئناف. وقال الزمخشري: فإن قلت: بم اتصل قوله:
{فَأَمَّا الْإِنْسانُ} قلت: اتصل بقوله: {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ،} فكأنه قيل: إن الله تعالى لا يريد من الإنسان إلا الطاعة، فأما الإنسان؛ فلا يريد ذلك، ولا يهمه إلا العاجلة. انتهى. يعني بالتعلق من حيث المعنى. وفي كلامه نفحة اعتزالية واضحة.
(أما): أداة شرط، وتفصيل، وتوكيد، أما كونها أداة شرط؛ فلأنها قائمة مقام أداة الشرط، وفعله، بدليل لزوم الفاء بعدها؛ إذ الأصل: مهما يكن من شيء. وأما كونها أداة تفصيل؛ فلأنها في الغالب تكون مسبوقة بكلام مجمل، وهي تفصله. ويعلم ذلك من تتبع مواقعها. وأما كونها أداة توكيد؛ فلأنها تحقق الجواب، وتفيد: أنه واقع لا محالة؛ لكونها علقته على أمر متيقن.
{الْإِنْسانُ:} مبتدأ. {إِذا:} ظرف لما يستقبل من الزمان، خافض لشرطه، منصوب بجوابه، صالح لغير ذلك مبني على السكون في محل نصب. {فَأَمَّا:} صلة. {اِبْتَلاهُ:} فعل ماض مبني على فتح مقدر على الألف للتعذر. {رَبُّهُ:} فاعل، والهاء في محل جر بالإضافة، من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه، والجملة الفعلية في محل جر بإضافة {إِذا} إليها، وجواب {إِذا} محذوف، لدلالة ما بعده عليه، والجملة الشرطية معترضة بين المبتدأ، والخبر، ومفاد كلام الجمل: أنّ {إِذا} ظرف مجرد عن الشرطية معلق بما بعده. فقد قال-رحمه الله تعالى-: والظرف المتوسط بين المبتدأ والخبر في نية التأخير، كأنه قال: فأما الإنسان؛ فقائل:
ربي أكرمني وقت الابتلاء، وجملة:(أكرمه ونعمه) معطوفتان على ما قبلهما، فهما في محل جر مثلها.