للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وترج، وتوقع، وذلك على الله محال؛ لأنه تعالى عالم بكل شيء، فما معناه؟ قلت: قال بعضهم: معناه: يفعل بكم فعل المترجي المبتلي. وقال بعضهم: معناه كل من ينظر إليهم يتوقع منهم ذلك. هذا؛ ولعل، وعسى، وسوف في مواعيد الملوك البشرية كالجزم بها، وإنما يطلقونها إظهارا لوقارهم، وإشعارا بأن الرمزة منهم كالتصريح من غيرهم، وعليه يجري وعد الله، ووعيده، بل هو أولى، وآكد إن شاء الله تعالى. {إِنْ تَوَلَّيْتُمْ} أي: أعرضتم عن سماع القرآن، وفارقتم أحكامه {أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ} وتعودوا إلى جاهليتكم. وقال قتادة-رحمه الله تعالى-:

كيف رأيتم القوم حين تولوا عن كتاب الله، ألم يسفكوا الدم الحرام، وقطعوا الأرحام، وعصوا الرحمن؟! وقيل: هو من الولاية، وعليه فالمعنى: فهل عسيتم إن توليتم الحكم، فجعلتم حكاما أن تفسدوا في الأرض بأخذ الرشا، والظلم، والمعاصي، وقطع الأرحام. وعن يعقوب:

{تَوَلَّيْتُمْ} أي: إن تولاكم ظلمة؛ خرجتم معهم، وساعدتموهم في الإفساد، وقطيعة الرحم، وهذا على قراءة الفعل بالبناء للمجهول، وقد قرأ بها علي-رضي الله عنه-.

هذا؛ و (الأرحام) جمع: رحم، وهو كل من يمتّ إليك بصلة القرابة من جهة الأب، أو الأم، وقد أكد الله حقها بهاتين الايتين، والرسول صلّى الله عليه وسلّم رغّب في صلة الرحم، وحذّر من قطعها، فعن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله خلق الخلق؛ حتى إذا فرغ منهم قامت الرّحم، فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: نعم أما ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى! قال: فذاك لك! ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: اقرؤوا إن شئتم: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ..}. إلخ الايتين». رواه البخاري ومسلم.

والمعنى والله أعلم: أنّ الرحم لو كانت إنسانا يتكلم؛ لقال: يا رب! هذا مقام العائذ بك من القطيعة! كما أنه لا يبعد أن يكون المراد قيام ملك من الملائكة تعلق بالعرش، وتكلم على لسانها بذلك أمر الله تعالى. وسواء أكانت الرحم تستجير بالله من قطيعتها على لسان الملائكة أو بلسان الحال الذي هو أبلغ من لسان المقال في كثير من الأحوال، فإن المراد توجيه النفوس إلى مكانة ذوي الأرحام، والقيام بواجبها من البر، والصلة، والود، والوفاء، والحب، والمعاونة، وأنها عند الله تعالى بمكان عظيم؛ حيث استجارت به من القطيعة؛ التي يترتب عليها الحقد، والحسد، والعداوة، والبغضاء، والفساد في الأرض، كما هو مشاهد في بعض الأسر؛ التي مزّقت فيها أواصر الرحم المقدسة.

الإعراب: {فَهَلْ:} الفاء: حرف استئناف. (هل): حرف استفهام. {عَسَيْتُمْ:} فعل ماض ناقص مبني على السكون، والتاء اسمه. {إِنْ:} حرف شرط جازم. {تَوَلَّيْتُمْ:} فعل ماض مبني على السكون في محل جزم فعل الشرط، والتاء فاعله، ومتعلقه محذوف، كما رأيت في الشرح، والجملة الفعلية لا محلّ لها؛ لأنها ابتدائية، ويقال: لأنها جملة شرط غير ظرفي، وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>