الإعراض عن القرآن من وجهين: أحدهما: الجحود، والإنكار، والوجه الآخر: ترك العمل بما فيه. أقول: والأول يشمل الكافرين. والثاني يشمل المسلمين المستهترين بلا ريب، ولا شك.
{كَأَنَّهُمْ} أي: كأن هؤلاء الكفار في فرارهم من محمد صلّى الله عليه وسلّم. {حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ:} قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: أراد الحمر الوحشية. أي: نافرة، وقرئ بفتح الفاء بمعنى: منفّرة مذعورة، يقال: نفرت، واستنفرت، بمعنى واحد. {فَرَّتْ:} نفرت، وهربت. {مِنْ قَسْوَرَةٍ} أي:
أسد، شبههم الله تعالى بالحمر النافرة مذمة لهم، وتهجينا، وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-:
الحمر الوحشية إذا عاينت الأسد؛ هربت، كذلك هؤلاء المشركون إذا رأوا محمدا صلّى الله عليه وسلّم هربوا منه كما يهرب الحمار من الأسد، ثم قال: والقسورة: الأسد. وفي كتاب الحيوان للدميري للأسد أكثر من مئة اسم. هذا؛ وقال بعض أهل اللغة: إن القسور: الرامي، وجمعه: القسورة. وكذا قال سعيد بن جبير، وعكرمة، ومجاهد، وقتادة، والضحاك، وابن كيسان: القسورة هم الرماة والصيادون، ورواه عطاء عن ابن عباس-رضي الله عنهما-، وأبو ظبيان عن أبي موسى الأشعري. وروى أبو جمرة عن ابن عباس-رضي الله عنهما-قال: ما أعلم القسورة الأسد في لغة أحد من العرب، ولكنها عصب الرجال. قال: فالقسورة جمع: الرجال، وأنشد: [الرجز]
يا بنت كوني خيرة لخيّره... أخوالها الجنّ وأهل القسورة
وقال زيد بن أسلم: {مِنْ قَسْوَرَةٍ:} من رجال أقوياء، وكل شديد عند العرب فهو: قسورة، وقسور، وقال لبيد بن ربيعة-رضي الله عنه-: [الطويل]
إذا ما هتفنا هتفة في نديّنا... أتانا الرّجال العائدون القساور
و (حمر) جمع: حمار، وهو معروف، يكون وحشيا، ويكون أهليا، وأنثاه: أتان، ويقال:
حمارة أيضا، ويجمع على: حمير، وحمر، وحمور، وحمرات. وكلها للكثرة، ويجمع جمع قلة على: أحمرة. قال الراعي النميري، أو القتال الكلابي، وهو الشاهد رقم [٣٢] من كتابنا: «فتح القريب المجيب»: [البسيط]
هنّ الحرائر لا ربّات أحمرة... سود المحاجر لا يقرأن بالسّور
والحمار الأهلي يوصف بالهداية إلى سلوك الطرقات؛ التي مشى فيها؛ ولو مرة واحدة، وبحدة السمع، وللناس في مدحه، وذمه أقوال متباينة بحسب الأغراض، وقد أطال الدميري الكلام عليه في كتابه: «حياة الحيوان». هذا؛ والالتفات من التكلم في الآيات السابقة إلى الغيبة في هذه الآيات ظاهر لا خفاء فيه. انظر الالتفات في الآية رقم [٢٠] من سورة (الملك)، ولا تنس التشبيه التمثيلي بقوله تعالى: {كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ..}. إلخ.
الإعراب: {فَما:} الفاء: حرف تفريع، واستئناف. (ما): نافية. {تَنْفَعُهُمْ:} فعل مضارع، والهاء مفعول به. {شَفاعَةُ:} فاعله، وهو مضاف، و {الشّافِعِينَ} مضاف إليه، والجملة الفعلية