للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا؛ و (موازين) جمع: ميزان، وأصله: موزان، قلبت الواو ياء لسكونها، وانكسار ما قبلها، ومثله: ميعاد، وميثاق، وميقات، وميراث.

{فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ} أي: راض بها صاحبها. ففيه إسناد مجازي عقلي. انظر سورة (الحاقة) رقم [٢١]. {وَأَمّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ} أي: رجحت سيئاته على حسناته، كما رأيت فيما تقدم، فعن عائشة-رضي الله عنها-قالت: ذكرت النار، فبكيت، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما يبكيك؟». قلت: ذكرت النار فبكيت، فهل تذكرون أهليكم يوم القيامة؟ فقال: «أما في ثلاثة مواطن؛ فلا يذكر أحد أحدا، عند الميزان؛ حتى يعلم أيخفّ ميزانه، أم يثقل؟ وعند تطاير الصحف؛ حتى يعلم أين يقع كتابه في يمينه، أم في شماله، أم وراء ظهره؟ وعند الصراط إذا وضع بين ظهري جهنم؛ حتى يجوز». رواه أبو داود. {فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ} يعني: جهنم، وسماها أمّا؛ لأنه يأوي إليها كما يأوي إلى أمّه. قاله ابن زيد. وقيل للمأوى: أمّ على التشبيه؛ لأن الأمّ مأوى الولد، ومفزعه. ومنه قول أمية بن أبي الصلت: [الكامل]

فالأرض معقلنا وكانت أمّنا... فيها مقابرنا وفيها نولد

وسميت النار هاوية؛ لأنه يهوي فيها مع بعد قعرها، وليستقر فيها. وقال الشاعر: [السريع]

يا عمرو لو نالتك أرماحنا... كنت كمن تهوي به الهاويه

ويقال: هوت أمه فهي هاوية؛ أي: ثاكلة. قال كعب بن سعد الغنوي: [الطويل]

هوت أمّه ما يبعث الصبح غاديا... وماذا يردّ الليل حين يؤوب

{وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ} أي: ما الهاوية، الأصل: ما هي، فدخلت الهاء للسكت. {نارٌ حامِيَةٌ} أي: شديدة الحرارة. وفي صحيح مسلم: عن أبي هريرة-رضي الله عنه-: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «ناركم هذه التي يوقد ابن آدم جزء من سبعين جزءا من حرّ جهنم». قالوا: والله إن كانت لكافية يا رسول الله! قال: «فإنّها فضّلت عليها بتسعة وستّين جزءا كلّها مثل حرّها».

وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة-رضي الله عنه-عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إن ناركم هذه جزء من سبعين جزءا من نار جهنم، وضربت بالبحر مرّتين، ولولا ذلك ما جعل الله فيها منفعة لأحد». وروى الترمذي، وابن ماجه عن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:

«أوقد على النار ألف سنة حتى احمرت، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى ابيضّت، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى اسودّت، فهي سوداء مظلمة». وانظر الآية رقم [٤] من سورة (الغاشية).

وفي الخبر عن أبي هريرة-رضي الله عنه-عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إن الموتى يسألون الرجل يأتيهم عن رجل مات قبله، فيقول: ذلك مات قبلي، أما مرّ بكم؟ فيقولون: لا والله، فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، ذهب به إلى أمه الهاوية، فبئست الأم، وبئست المربية». انتهى. قرطبي.

<<  <  ج: ص:  >  >>