للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي الجمل، فإن قلت: كيف قال: {وَأَمّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ (٨) فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ} مع أن أكثر المؤمنين سيئاتهم راجحة على حسناتهم؟ قلنا: قوله: {فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ} لا يدل على خلوده فيها، فيسكن المؤمن فيها بقدر ذنوبه، ثم يخرج منها إلى الجنة. وقيل: المراد بخفة الموازين:

خلوها من الحسنات بالكلية، وتلك موازين الكفار. انتهى. كرخي. هذا؛ وما يقوله بعض المتمشيخة في هذا الزمن: إن المؤمن لا يعذب، ولا يحرق في نار جهنم؛ فهو كذب على الله صراح. هذا؛ وفي السورة المقابلة بين: {فَأَمّا مَنْ ثَقُلَتْ..}. إلخ، وبين: {وَأَمّا مَنْ خَفَّتْ..}.

إلخ وهو من المحسنات البديعية، وأيضا الاحتباك، وهو أن يحذف من كل نظير ما أثبته في الآخر، فقوله تعالى: {فَأَمّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ (٦) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ (٧) وَأَمّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ (٨) فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ} حذف من الأول: (فأمه الجنة) وذكر فيها: {فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ} وحذف من الآية الثانية: (فهو في عيشة ساخطة) وذكر: {فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ} فحذف من كل ما أثبته في الآخر، وهو من المحسنات البديعية أيضا.

الإعراب: {فَأَمّا:} الفاء: حرف استئناف وتفريع. (أما): انظر الآية رقم [١٥] من سورة (الفجر). {مَنْ:} اسم شرط جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. {ثَقُلَتْ:} فعل ماض مبني على الفتح في محل جزم فعل الشرط، والتاء للتأنيث حرف لا محل له. {مَوازِينُهُ:} فاعله، والهاء في محل جر بالإضافة. {فَهُوَ:} الفاء: واقعة في جواب الشرط. (هو): ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. {فِي عِيشَةٍ:} متعلقان بمحذوف خبر المبتدأ. {راضِيَةٍ:}

صفة {عِيشَةٍ،} والجملة الاسمية: (هو...) إلخ في محل جزم جواب الشرط. والدسوقي يقول: لا محل لها. وخبر المبتدأ الذي هو {مَنْ} مختلف فيه كما رأيت في سورة (الزلزلة)، والجملة الاسمية مستأنفة، لا محل لها. {وَأَمّا مَنْ خَفَّتْ..}. إلخ معطوف على ما قبله، وإعرابه مثله، بلا فارق. هذا؛ وإن اعتبرت {مَنْ} اسما موصولا؛ فهي مبتدأ، والجملة الفعلية بعدها صلتها، والجملة الاسمية: (هو...) إلخ في محل رفع خبرها، ودخلت الفاء في الخبر؛ لأن الموصول يشبه الشرط في العموم. وهذا كثير في الآيات القرآنية. {وَما أَدْراكَ..}. إلخ الإعراب مثل {وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ} بلا فارق، والهاء للسكت حرف لا محل له. {نارٌ:} خبر لمبتدأ محذوف، التقدير: هي نار، والجملة الاسمية مفسرة للضمير. {حامِيَةٌ:} صفة {نارٌ}. تأمل، وتدبر، وربك أعلم، وأجل، وأكرم، وصلّى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

انتهت سورة (القارعة) شرحا، وإعرابا.

والحمد لله رب العالمين.

<<  <  ج: ص:  >  >>