للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فجئناك لتقضي بيننا. {فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ:} ولا تجر من الشطط، وهو مجاوزة الحد، وتخطي الحق. {وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ:} أرشدنا إلى وسط الطريق الحق، والصواب.

فإن قيل: لم فزع داود وهو نبي، وقد قويت نفسه بالنبوة، واطمأنت بالوحي، ووثقت بما آتاه الله من المنزلة، وأظهر على يديه من الآيات، وكان من الشجاعة في غاية المكانة؟ والجواب: ذلك سبيل الأنبياء قبله، لم يأمنوا القتل والإذاية، ومنهما كان يخاف، ألا ترى إلى موسى وهارون على نبينا-وعليهما ألف صلاة، وألف سلام-. كيف قالا: {إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى} فقال الله عز وجل: {لا تَخافا}. وقالت الرسل للوط-عليه السّلام-: {لا تَخَفْ} {إِنّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ} وكذا قال الملكان هنا: {لا تَخَفْ} لذا فقد خاب الكذبة الفجرة، الذي يصفون أبا بكر الصديق بالجبن ليلة الهجرة، وذلك حين خاف على النبي صلّى الله عليه وسلّم، فطمأنه صاحبه بقوله: {لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا}.

هذا؛ وإنما قال هنا: {خَصْمانِ} بعد قوله في الآية السابقة: {إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ} على تأويل خصمان بفريقان. وقيل: لأن الاثنين جمع. قال الخليل: كما تقول: نحن فعلنا؛ إذا كنتما اثنين.

وقال الكسائي: جمع لما كان خبرا، فلما انقضى الخبر، وجاءت المخاطبة؛ خبّر الاثنان عن أنفسهما، فقالا: خصمان. وقال الزجاج: المعنى: نحن خصمان. انتهى. قرطبي. وهناك تأويلات كثيرة، فقال داود عليه السّلام لهما: تكلما، فقال أحدهما: إن هذا.

الإعراب: {إِذْ:} بدل من سابقتها، أو هي متعلقة بالفعل {تَسَوَّرُوا}. {دَخَلُوا:} ماض، وفاعله، والألف للتفريق. والجملة الفعلية في محل جر بإضافة {إِذْ} إليها. {عَلى داوُدَ:}

متعلقان بما قبلهما، وعلامة الجر الفتحة نيابة عن الكسرة؛ لأنه ممنوع من الصرف للعلمية، والعجمة. {فَفَزِعَ:} الفاء: حرف عطف. (فزع): فعل ماض، والفاعل يعود إلى داود. والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، فهي في محل جر مثلها. {مِنْهُمْ:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما. {قالُوا:} ماض، وفاعله، والألف للتفريق. {لا تَخَفْ:} فعل مضارع مجزوم ب‍: {لا} الناهية، والفاعل مستتر تقديره: «أنت». والجملة الفعلية في محل نصب مقول القول.

{خَصْمانِ:} خبر لمبتدأ محذوف، التقدير: نحن خصمان، فهو مرفوع، وعلامة رفعه الألف نيابة عن الضمة؛ لأنه مثنى، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد، والجملة الاسمية فيها معنى التعليل للنهي، وهي من جملة مقول القول، وجملة: {قالُوا..}. إلخ مستأنفة، لا محل لها.

{بَغى:} ماض مبني على فتح مقدر على الألف للتعذر. {بَعْضُنا:} فاعله، و (نا): في محل جر بالإضافة. {عَلى بَعْضٍ:} متعلقان بما قبلهما، والجملة الفعلية في محل رفع صفة: {خَصْمانِ،} أو في محل نصب حال من الضمير المستتر فيه، والرابط على الاعتبارين الضمير فقط.

{فَاحْكُمْ:} الفاء: هي الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن شرط مقدر. (احكم): فعل أمر والتماس، وفاعله مستتر، تقديره: «أنت». {بَيْنَنا:} ظرف مكان متعلق بما قبله. و (نا): في

<<  <  ج: ص:  >  >>