الموت في الجنة. قال علي بن أبي طالب-رضي الله عنه-: هي أرواح الكفار تنشط بين الجلد، والأظفار؛ حتى تخرج من أفواههم بالكرب، والغم. {وَالسّابِحاتِ سَبْحاً} يعني: أرواح المؤمنين تسبح في المكرمات. {فَالسّابِقاتِ سَبْقاً} يعني: استباقها إلى الحضرة المقدسة.
الوجه الثالث في قوله تعالى: {وَالنّازِعاتِ غَرْقاً} يعني: النجوم تنزع من أفق إلى أفق، تطلع، ثم تغيب، كالثور الناشط من بلد إلى بلد، والهموم تنشط بصاحبها. قال هميان بن قحافة: [الرجز]
أمست همومي تنشط المناشطا... الشّام بي طورا وطورا واسطا
{وَالسّابِحاتِ سَبْحاً} يعني: النجوم، والشمس، والقمر، يسبحون في الفلك. {فَالسّابِقاتِ سَبْقاً} يعني: النجوم، يسبق بعضها بعضا في السير.
الوجه الرابع في قوله تعالى: {وَالنّازِعاتِ غَرْقاً} يعني: خيل الغزاة، تنزع في أعنتها، وتغرق في عرقها، وهي (الناشطات نشطا)؛ لأنها تخرج بسرعة إلى ميدانها، وهي: (السابحات سبحا) و (السابقات سبقا)؛ لأنها تسبح في جريها، وتسابق لإدراك الغاية. قال عنترة: [مجزوء الكامل]
والخيل تعلم حين تس... بح في حياض الموت سبحا
وقال امرؤ القيس في معلقته رقم [٦٧]: [الطويل]
مسحّ إذا ما السّابحات على الونى... أثرن غبارا بالكديد المركّل
الوجه الخامس في قوله تعالى: {وَالنّازِعاتِ غَرْقاً} يعني: الغزاة حين تنزع قسيها في الرمي.
فتبلغ غاية المد، وهو قوله: {غَرْقاً}. {وَالنّاشِطاتِ نَشْطاً} أي: السهام في الرمي {وَالسّابِحاتِ سَبْحاً (٣) فَالسّابِقاتِ سَبْقاً} يعني: الخيل، والإبل حين يخرجها أصحابها إلى الغزو.
الوجه السادس: ليس المراد بهذه الكلمات شيئا واحدا، فقوله: {وَالنّازِعاتِ} يعني: ملك الموت ينزع النفوس غرقا حتى بلغ بها الغاية. {وَالنّاشِطاتِ نَشْطاً} يعني: النفس تنشط من القدمين، بمعنى: تجذب. {وَالسّابِحاتِ سَبْحاً} يعني السفن. {فَالسّابِقاتِ سَبْقاً} يعني: مسابقة نفوس المؤمنين إلى الخيرات، والطاعات. أما قوله تعالى: {فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً} فأجمعوا على أنهم الملائكة.
قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: هم الملائكة، وكلوا بأمور عرفهم الله عز وجل العمل بها. وقال عبد الرحمن بن سابط: يدبر الأمر في الدنيا أربعة أملاك: جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، وعزرائيل. فأما جبريل، عليه الصلاة، والسّلام؛ فموكل بالرياح، والجنود (ومهمته الأولى السفارة بين الله وبين رسله). وأما ميكائيل، عليه الصلاة، والسّلام؛ فموكل بالقطر، والنبات. وأما ملك الموت عزرائيل، عليه الصلاة، والسّلام؛ فموكل بقبض الأرواح، وأما إسرافيل عليه الصلاة والسّلام، فهو ينزل عليهم بالأمر من الله تعالى (ومهمته الأولى نفخ الصور الذي ينتظر الأمر به). انتهى. بتصرف، ومثله في القرطبي، والكشاف.