للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم أخرج الملائكة لوطا، وابنتيه وزوجه من القرية، وأمروهم أن لا يلتفت منهم أحد، وأن يحضروا حيث يؤمرون، فامتثلوا الأمر إلا امرأته، فقد التفتت إلى القرية لترى ما يحلّ بها، وكانت خبيثة هواها مع أهل القرية دون لوط، فحل بها من السخط، والعذاب ما حل بهم، وكانت كافرة غير مؤمنة، فأمطر الله عليهم حجارة من سجيل، وقلبت ديار القوم، قال تعالى في سورة (هود) رقم [٨٣]: {فَلَمّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ}.

قال عبد الوهاب النجار-رحمه الله تعالى-: وأعتقد: أن البحر الميت-المعروف الآن ببحر لوط، أو بحيرة لوط-لم يكن موجودا قبل هذا الحادث، وإنما حدث من الزلزال الذي جعل عالي البلاد سافلها، وصارت أخفض من سطح البحر بنحو أربعمائة متر، وقد جاءت الأخبار في السنتين الماضيتين بأنهم اكتشفوا آثار مدن قوم لوط على حافة البحر الميت. انتهى.

قصص الأنبياء للنجار بتصرف.

يا سبحان الله! كيف زلّ النجار حيث عزا ما وقع في قرى قوم لوط إلى الزلزال؟! وإنما حصل ذلك بفعل جبريل عليه السّلام؛ حيث وضع جناحه تحت القرى، ورفعها إلى السماء ثم جعل عاليها سافلها، ولا زلزال، ولا بحر، ولا بحيرة، وكان هذا العمل الجبار الذي كان من قدرة الواحد القهار، فاعتبروا يا أولي الأبصار!.

هذا؛ ويقول ابن كثير-رحمه الله تعالى-في تفسيره: وجعل الله مكان تلك البلاد بحيرة منتنة لا ينتفع بمائها، ولا بما حولها من الأراضي المتاخمة؛ لفنائها، ولرداءتها ودناءتها، فصارت عبرة، ومثلة، وعظة، وآية على قدرة الله تعالى، وعظمته، وعزته في انتقامه ممن خالف أمره، وكذب رسله، واتبع هواه، وعصى مولاه. انتهى.

هذا، والمراد بالفاحشة المذكورة في هذه الآية: هي إتيان الذكور في أدبارهم، وقد ذمهم الله في هذه الآيات. وقال عنهم في سورة (الأعراف) حكاية عن قول لوط لهم: {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ؛} لأن الله خلق الإنسان، وركب فيه الشهوة لبقاء النسل، وعمران الدنيا، وجعل النساء محلا، وانظر ما ذكرته في الآية رقم [٥٥] من سورة (النمل) ففيها الكفاية لطالب الزيادة.

{ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ} أي: لم يفعل هذه الفاحشة أحد قبلكم من الناس أجمعين، وانظر شرح {الْعالَمِينَ} في الآية رقم [١٦] من سورة (الشعراء). هذا؛ و {أَحَدٍ} أصله:

وحد؛ لأنه من الوحدة، فأبدلت الواو همزة، وهذا قليل في المفتوحة، إنما يحسن في المضمومة، والمكسورة مثل قولهم: وجوه، وأجوه، ووسادة، وإسادة، وهو مرادف للواحد في موضعين:

أحدهما: وصف الباري جل علاه، فيقال: هو الواحد، وهو الأحد، والثاني: أسماء العدد، فيقال: أحد وعشرون، وواحد وعشرون، وفي غير هذين الموضعين يفرق بينهما في الاستعمال،

<<  <  ج: ص:  >  >>