للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جملة المرسلين المذكورين في هذه الآية، وعلى الأخص جمعه مع إسماعيل، وإدريس في آية واحدة. وكذلك ذكره في سورة (ص)، وجمعه مع إسماعيل، واليسع في آية واحدة. هذا؛ وذكر الجمل: أن اسمه العلمي: بشر، ولقب بذي الكفل لما رأيت من الروايات، وانظر الآية التالية.

وصفوة القول: إنه مختلف في نبوته، كما هو مختلف في نبوة لقمان، وإسكندر ذي القرنين، والخضر صاحب موسى، على نبينا، وحبيبنا، وعليهم ألف صلاة، وألف سلام. هذا؛ وانظر شرح: {وَأَدْخَلْناهُ فِي رَحْمَتِنا..}. إلخ في الآية رقم [٧٥].

هذا، وأما «الصابرون» فهو جمع: صابر، والصبر: حبس النفس عن الجزع عند المصيبة، وحبس اللسان عن الشكوى، وحبس الجوارح عن التشويش، وهو مر المذاق يكاد لا يطاق؛ إلا أنه حلو العواقب، يفوز صاحبه بأسنى المطالب، كما قال القائل: [البسيط] الصّبر، مثل اسمه مرّ مذاقته... لكن عواقبه أحلى من العسل

وبالجملة: فنفع الصبر مشهور، والحض عليه في الكتاب والسنة، مقرر مسطور، وهو على ثلاثة أنواع: صبر على الطاعة، وصبر عن المعصية، وصبر على البلاء، ولا تنس: أن من أسماء الله تعالى الصبور، وفسر بالذي لا يعجل بالعقوبة على من عصاه. هذا؛ وقد قال الله تعالى في غير ما آية: {وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ} أي: طلبا لمرضاته، وهذا هو الصبر المحمود، وهو أن يكون الإنسان صابرا لوجه الله تعالى، راضيا بما نزل به من الله، طالبا في ذلك الصبر ثواب الله تعالى، محتسبا أجره على الله؛ فهذا هو الصبر الذي يدخل صاحبه رضوان الله، وأما إذا صبر الإنسان؛ ليقال: ما أكمل صبره! وما أشد قوته على تحمل النوائب! أو يصبر لئلا يعاب على الجزع، أو يصبر لئلا تشمت به الأعداء، فهذا كله مذموم، ولا ينيل صاحبه الدرجات العلى، والمقام الرفيع عند الله. وقد يعرضه لشديد غضب الله ونقمته.

فائدة: قال الله تعالى: {فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً} وقال: {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} وقال: {وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً} قالوا: الصبر الجميل هو الذي لا شكاية معه، والصفح الجميل: هو الذي لا عتاب معه، والهجر الجميل: هو الذي لا أذية معه، ثم اعلم: أن الصبر ذكر في القرآن الكريم في خمسة وتسعين موضعا، ومن أجمعها آية البقرة، ومن آنقها قوله تعالى: {إِنّا وَجَدْناهُ صابِراً} قرن هاء الصبر بنون العظمة، ومن أبهجها قوله تعالى: {وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ (٢٣) سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ}.

الإعراب: (إسماعيل): مفعول به لفعل محذوف، تقديره: اذكر. {وَإِدْرِيسَ:} معطوف عليه.

{وَذَا:} معطوف على ما قبله، منصوب مثله، وعلامة نصبه الألف نيابة عن الفتحة؛ لأنه من الأسماء الخمسة، و (ذا) مضاف {الْكِفْلِ} مضاف إليه. {كُلٌّ:} مبتدأ، سوغ الابتداء به، وهو نكرة، إضافته لمقدر محذوف، التقدير: كل هؤلاء. {مِنَ الصّابِرِينَ:} متعلقان بمحذوف

<<  <  ج: ص:  >  >>