للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أقول وبالله التوفيق: إن هذا في حق الفسقة الفجرة من المسلمين، أما الكافر؛ فإنه مطبوع على قلبه، ولا حظّ له في هذا الحديث، وأقوال المفسرين بدليل قوله تعالى في سورة (البقرة) رقم [٧]: {خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ}. وما أكثر أبناء المسلمين في هذه الأيام الذين غطى الران على قلوبهم بسبب كسبهم المعاصي، والسيئات، وإعراضهم عن ذكر الله، وطاعتهم له! لذا أرشدهم الرسول صلّى الله عليه وسلّم إلى الدواء الذي يزيل هذا الران؛ فعن عبد الله ابن عمرو-رضي الله عنه-عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: أنه كان يقول: «إنّ لكلّ شيء صقالة، وإن صقالة القلوب ذكر الله...». إلخ رواه البيهقي. وعن أنس-رضي الله عنه-: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:

«إنّ للقلوب صدأ كصدأ النّحاس، وجلاؤها الاستغفار». رواه البيهقي أيضا.

وقال أبو معاذ: الرين: أن يسود القلب من الذنوب. والطبع: أن يطبع على القلب، وهو أشد من الرين، والإقفال: أشد من الطبع، وهو أن يقفل على القلب. قال تعالى: {أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها} الآية رقم [٢٤] من سورة (محمد صلّى الله عليه وسلّم).

هذا؛ وأصل الرين: الغلبة، ومعنى الآية: أن الذنوب، والمعاصي غلبت على قلوبهم، وأحاطت بها. يقال: ران على قلبه ذنبه، يرين رينا، وريونا؛ أي: غلب. وقال أبو عبيدة: كل ما غلبك؛ فقد ران عليك، وران بك، ورانك. وقال الشاعر: [الطويل]

وكم ران من ذنب على قلب فاجر... فتاب من الذّنب الّذي ران وانجلى

ورانت الخمر على عقله: غلبته، وران عليه النعاس: إذا غطاه. ومنه قول أبي زبيد يصف رجلا شرب؛ حتى غلبه الشراب سكرا، فقال: [الخفيف]

ثمّ لمّا رآه رانت به الخم‍... ر وألاّ ترينه باتّقاء

فقوله: رانت به الخمر؛ أي: غلبت على عقله، وقلبه. هذا؛ وينبغي أن تعلم: أن الرّين في الآية الكريمة، والحديث الشريف إنما هو شيء معنوي، وليس بمادي، وتفسيره: أننا لو أخذنا قلب الكافر، أو قلب الفاجر الفاسق؛ لا نجد غطاء ماديا يحيط بالقلب، ولا نجد قلب أحدهما أسود وقلب المؤمن أبيض، أو أحمر... إلخ فثبت ما قلته-والحمد لله-من أنه معنوي، لا حسيّ ولا مادي. هذا؛ وما تقدم هو من اليائي، أما الواوي، فيقال: ران، يرون رونا: الأمر اشتد، وعظم. ورانت الليلة: اشتد هولها، أو غمها.

هذا؛ والقلب قطعة صغيرة على هيئة الصّنوبرة، خلقها الله في الآدمي، وجعلها محلا للعلم، فيحصي به العبد من العلوم ما لا يسع في أسفار، يكتابه الله بالخط الإلهي، ويضبطه فيه بالحفظ الرباني حتى يحصيه، ولا ينسى منه شيئا، وهو بين لمّتين: لمة من الملك، ولمة من الشيطان، كما قال النبي صلّى الله عليه وسلّم، فأمّا لمّة الملك؛ فإيعاد بالخير، وتصديق بالحق، وأما لمة الشيطان؛ فإيعاد بالشر، وتكذيب بالحق، فمن وجد الأول؛ فليعلم: أنه من الله، وليحمد الله،

<<  <  ج: ص:  >  >>