للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{أَنْ تَبَرُّوا} أي: في أن تفعلوا الخير، والمعروف، والإحسان. {وَتَتَّقُوا:} الله.

{وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النّاسِ:} والمعنى: لا تمنعنّكم الأيمان بالله عزّ وجل من فعل الخير، وتقوى الله، والإصلاح بين الناس؛ إذا كانوا متنازعين متخاصمين. {وَاللهُ سَمِيعٌ} لأقوالكم، وأيمانكم.

{عَلِيمٌ} بنيّاتكم، وأحوالكم، وأفعالكم، فهما صيغتا مبالغة.

هذا؛ والإصلاح بين النّاس مقامه عظيم، وأجره كبير، وخذ ما يلي:

فعن أبي الدرداء-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ألا أخبركم بأفضل من درجة الصّيام، والصّلاة، والصّدقة؟» قالوا: بلى! قال: «إصلاح ذات البين، فإنّ فساد ذات البين هي الحالقة». رواه أبو داود، والتّرمذيّ، وقال الترمذي أيضا: ويروى عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أنه قال: «هي الحالقة، لا أقول: تحلق الشّعر، ولكن تحلق الدّين».

هذا؛ وقد أباح الرّسول صلّى الله عليه وسلّم الكذب لإصلاح ذات البين، كما إذا غيّر الكلام القبيح من أحد المتخاصمين بكلام حسن. وخذ ما يلي:

فعن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط-رضي الله عنها-: أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «لم يكذب من نمى بين اثنين ليصلح». وفي رواية أخرى: «ليس بالكاذب من أصلح بين النّاس، فقال خيرا، أو نمى خيرا». رواه أبو داود.

تنبيه: نزلت الآية الكريمة في أبي بكر الصديق-رضي الله عنه-حين حلف: أنّه لا ينفق على مسطح ابن خالته لافترائه على عائشة، رضي الله عنها. والقصّة مذكورة بكاملها في سورة (النّور) وقيل: نزلت في عبد الله بن رواحة-رضي الله عنه-حين حلف: أنّه لا يكلّم ختنه-أي: صهره- بشير بن النعمان، ولا يصلح بينه، وبين أخته عمرة، وهي زوجة بشير-رضي الله عنهم-أجمعين.

والمعنى: لا تمتنعوا من فعل الخير؛ إذا حلفتم عليه، بل ائتوه، وكفروا، كقوله صلّى الله عليه وسلّم لعبد الرحمن بن سمرة: «إذا حلفت على يمين، فرأيت غيرها خيرا منها؛ فائت الّذي هو خير، وكفّر عن يمينك».

رواه البخاريّ، ومسلم. وعن أبي هريرة-رضي الله عنه-: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من حلف على يمين، فرأى غيرها خيرا منها؛ فليكفّر عن يمينه، وليفعل الّذي هو خير». رواه مسلم، وعن أبي موسى الأشعري-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّي والله إن شاء الله، لا أحلف على يمين، فأرى غيرها خيرا منها؛ إلاّ أتيت الّذي هو خير، وتحلّلتها». رواه البخاريّ، ومسلم. وقيل:

معنى الآية الكريمة: لا تكثروا الحلف بالله؛ وإن كنتم بارّين متّقين مصلحين، فإن كثرة الحلف بالله ضرب من الجراءة على الله، وقد نهى الله عن كثرة الحلف، كما نهى عن تصديق من يكثر الحلف.

فقال تعالى في سورة (القلم): {وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاّفٍ مَهِينٍ}. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

الإعراب: {وَلا:} الواو: حرف استئناف، ({لا}): ناهية جازمة. {تَجْعَلُوا:} فعل مضارع مجزوم ب‍ ({لا}) وعلامة جزمه حذف النّون؛ لأنّه من الأفعال الخمسة، والواو فاعله، والألف

<<  <  ج: ص:  >  >>