كلّ فيما ذهب إليه، ومذهب الشّافعي هو قول عائشة، والشعبي، وعكرمة، ومذهب مالك، وأبي حنيفة هو قول ابن عبّاس، والحسن، ومجاهد، والنخعي، وغيرهم. {وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} أي: لكن يؤاخذكم بما عزمتم عليه، وقصدتم له، كما قال تعالى في آية (المائدة):
{وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ}. وكسب القلب هو العقد، والعزم، والنية. و {وَاللهُ غَفُورٌ} لعباده فيما هو لغو من أيمانهم، والتي أخبر أنه لا يؤاخذهم عليها، ولو شاء لآخذهم، وألزمهم الكفارة في العاجل، والعقوبة عليها في الآجل. {حَلِيمٌ} في ترك معاجلة أهل العصيان بالعقوبة.
قال الحليمي-رحمه الله تعالى-في معنى: الحليم: إنّه الّذي لا يحبس إنعامه، وإفضاله عن عباده لأجل ذنوبهم، ولكنّه يرزق العاصي، كما يرزق المطيع، ويقيه؛ وهو منهمك في معاصيه، كما يقي البرّ المتّقي، وقد يقيه الآفات، والبلايا، وهو غافل لا يذكره فضلا عن أن يدعوه، كما يقيها الناسك الذي يدعوه، ويسأله. وقال أبو سليمان الخطّابي: الحليم: ذو الصفح، والأناة الذي لا يستفزّه غضب، ولا يستخفّه جهل جاهل، ولا عصيان عاص، ولا يستحقّ الصّافح من العجز اسم الحليم، إنما الحليم الصفوح مع القدرة على الانتقام، المتأنّي؛ الذي لا يعجّل بالعقوبة.
تنبيه: لا يجوز الحلف إلا باسم من أسماء الله الحسنى، أو بصفة من صفاته تعالى؛ مثل قولك: وقدرة الله، وعزة الله... إلخ. أما كفارة اليمين؛ فقد ذكرت في آية المائدة مخيرة ابتداء مرتبة انتهاء، وقد أنكرت على من يفتي بإعطاء عشرة مساكين خمسة كيلوات من القمح كفارة اليمين، وأما اليمين الغموس التي تغمس صاحبها في النار، فهي التي يقتطع بها مال امرئ مسلم بغير حقّ. وخذ ما يلي:
عن أبي أمامة إياس بن ثعلبة الحارثي-رضي الله عنه-: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: قال: «من اقتطع حقّ امرئ مسلم بيمينه؛ فقد أوجب الله له النّار، وحرّم عليه الجنّة». قالوا: يا رسول الله! وإن كان شيئا يسيرا؟ فقال:«وإن كان قضيبا من أراك». رواه مسلم والنّسائيّ وابن ماجة.
وعن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليس شيء ممّا عصي الله به هو أعجل عقابا من البغي، وما من شيء أطيع الله فيه أسرع ثوابا من الصّلة، واليمين الفاجرة تدع الدّيار بلاقع». رواه البيهقيّ. ولا تنس: أنّ حقّ الكافر أعظم جرما من حقّ المسلم.
الإعراب:{لا:} نافية. {يُؤاخِذُكُمُ:} فعل مضارع، والكاف مفعول به. {اللهُ:} فاعله، والجملة الفعلية مستأنفة لا محل لها. {بِاللَّغْوِ:} متعلقان بالفعل قبلهما. {فِي أَيْمانِكُمْ} متعلقان ب: (اللغو)؛ لأنه مصدر، كما يجوز تعليقهما بمحذوف حال من (اللغو) على اعتبار (ال) فيه للتعريف، أي: اللغو كائنا في أيمانكم، وبمحذوف صفة له على اعتبار (ال) فيه للجنس، التّقدير: اللغو الكائن في أيمانكم. والكاف ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة.