للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} أي: يعرضون عن أمره، وهم المنافقون، يقال: خالفه إلى الأمر؛ إذ ذهب إليه دونه، ومنه ما حكى الله تعالى من قول شعيب عليه السّلام لقومه: {وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ} وخالفه عن الأمر: إذا صد عنه دونه، والضمير في {أَمْرِهِ} لله سبحانه، أو للرسول صلّى الله عليه وسلّم، والمعنى: يخالفون عن طاعته، ودينه. هذا؛ وقال أبو عبيدة، والأخفش: {عَنْ} في هذا الموضع زائدة. وقال الخليل، وسيبويه: ليست بزائدة، وإنما هي بمعنى: بعد أمره، ومنه قوله تعالى في الآية رقم [٥١] من سورة (الكهف): {فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ}. هذا؛ وقال ابن هشام في المغني: «يخالفون» متعد، وقد جاء لازما هنا؛ لأنه بمعنى:

يخرجون عن أمره، وأورد بيت ذي الرمة، وهو الشاهد رقم [٩٢٠] من كتابنا فتح القريب المجيب: [الطويل]

وإن تعتذر بالمحل من ذي ضروعها... إلى الضّيف يجرح في عراقيبها نصلي

فإنه قال: ضمن «يجرح» معنى: «يفسد». ولذا جاء لازما.

{أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ:} بلاء في الدنيا، أو قتل، أو زلازل، وأهوال، أو تسليط سلطان جائر، أو قسوة القلب عن معرفة الله تعالى ومعرفة حقوقه، وهو أعظم ما يصاب به العبد: فعند ذلك لا تؤثر فيه المواعظ، ولا يقبل النصائح، انظر الآية رقم [٥٨] من سورة (الكهف)، أو إسباغ النعم استدراجا. {أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ} أي: وجيع في الآخرة.

هذا؛ و {تُصِيبَهُمْ} ماضيه: أصاب، وهو يحتمل معاني كثيرة، تقول: أصاب السهم، يصيب إذا لم يخطئ هدفه، وأصاب الرجل في قوله، أو في رأية أتى بالصواب، وأصاب فلانا البلاء، يصيبه وقع عليه، وهو المراد هنا وفي أكثر الآيات القرآنية. هذا؛ وأصاب يأتي بمعنى أراد، وقصد، ومنه قوله تعالى في سورة (ص) رقم [٣٦]: {فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ} قاله مجاهد. والعرب تقول: أصاب الصواب، وأخطأ الجواب. قاله ابن الأعرابي، وقال الشاعر: [المتقارب]

أصاب الكلام فلم يستطع... فأخطا الجواب لدى المفصل

أي: أراد الكلام.

وأصل يصيب: يؤصوب، أو يؤصيب، فقل في إعلاله: حذفت الهمزة للتخفيف، حملا على المبدوء بهمزة المضارعة، مثل: أؤصيب الذي حذفت همزته الثانية للتخلص من ثقل الهمزتين، فصار: (يصوب، أو يصيب)، ثم يقال: اجتمع معنا حرف صحيح ساكن، وحرف علة متحرك، والحرف الصحيح أولى بالحركة من حرف العلة، فنقلت حركة الواو، أو الياء، وهي الكسرة إلى الصاد قبلها، بعد سلب سكونها، فصار: (يصيب أو يصوب)، ثم قلبت الواو في

<<  <  ج: ص:  >  >>