للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذكر أحوال المؤمنين، وما كانوا عليه من البصيرة وسماع الحق، والانقياد للطاعة؛ ضرب لهم مثلا، فقال الله تبارك وتعالى: {مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ،} يعني فريق المؤمنين، وفريق الكافرين.

{كَالْأَعْمى} وهو الذي لا يهتدي لرشده. {وَالْأَصَمِّ،} وهو الذي لا يسمع شيئا البتة، {وَالْبَصِيرِ} وهو الذي يبصر الأشياء على ماهيتها. {وَالسَّمِيعِ} وهو الذي يسمع الأصوات، ويجيب الداعي. انتهى. هذا؛ ولا تنس: أن وصف الكافر بصفتين، ثم وصف المؤمن بصفتين، إنما هو من باب اللف والطباق والمقابلة، وهذا من فن البديع.

{هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً}: قال الفراء: لم يقل: هل يستوون؛ لأن الأعمى، والأصم في حيز كأنهما واحد، وهما من وصف الكافر، والبصير والسميع في حيز كأنهما واحد، وهما من وصف المؤمن. {أَفَلا تَذَكَّرُونَ} أي: تتعظون بضرب الأمثال والتأمل فيها، وقد حذفت إحدى التاءين من الفعل، فإن الأصل (تتذكرون) وهذا الحذف كثير ومستعمل في القرآن الكريم، والكلام العربي.

هذا؛ و «مثل» بفتح الميم والثاء هنا بمعنى صفة الفريقين، وهو بكسر الميم وسكون الثاء، ومثله: مثيل بمعنى: شبه، وشبيه، وهو اسم متوغل في الإبهام، فلا يتعرف بإضافته إلى الضمير وغيره من المعارف؛ ولذلك نعتت به النكرة في قوله تعالى، حكاية عن قول فرعون وقومه:

{أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا وَقَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ} ويوصف به المفرد، والمثنى، والجمع، والمذكر والمؤنث، كما في الآية الكريمة، وتستعمل على ثلاثة أوجه: الأول: بمعنى الشبيه، كما في قوله تعالى: {سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللهُ،} والثاني: بمعنى نفس الشيء، وذاته، كما في قوله تعالى:

{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} عند بعضهم حيث قال: المعنى: ليس كذاته شيء، والثالث: زائدة، كما في قوله تعالى: {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا} أي: بما آمنتم به.

هذا؛ وأما «المثل» في قوله تعالى: {ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً} وشبهه، انظره في الآية رقم [٢٤] من سورة (إبراهيم) عليه السّلام، هذا؛ والمثل بفتح الميم والثاء أيضا: هو القول السائر بين الناس، والذي فيه غرابة من بعض الوجوه، والممثل بمضربه، أي: هو الحالة الأصلية التي ورد الكلام فيها، وما أكثر الأمثال في اللغة العربية، علما بأن ألفاظ الأمثال لا تتغير، تذكيرا وتأنيثا، إفرادا وتثنية وجمعا، بل ينظر فيها دائما إلى مورد المثل، مثل: (الصّيف ضيّعت اللّبن) فإنه يضرب لكل من فرط في تحصيل شيء في أوانه، ثم يطلبه بعد فواته، هذا؛ ويجمع «مثل» بكل معانيه على أمثال، كما في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ..}. إلخ.

{أَفَلا} فالهمزة للإنكار، وهي في نية التأخير عن الفاء؛ لأنها حرف عطف، وكذا تقدم على الواو، وثم، تنبيها على أصالتها في التصدير، نحو قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ..}.

إلخ وقوله: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ..}. إلخ وقوله: {أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ..}. إلخ وأخواتها تتأخر

<<  <  ج: ص:  >  >>