-رحمه الله تعالى-: إنّما سمّي الهوى هوى؛ لأنّه يهوي بصاحبه إلى النار. وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: ما ذكر الله هوى في القرآن إلا ذمّه، وذكر آياته الكثيرة، وقال عبد الله بن عمرو-رضي الله عنهما-عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لا يؤمن أحدكم حتّى يكون هواه تبعا لما جئت به». والأحاديث في ذلك كثيرة، وقال الأصمعي-رحمه الله تعالى-: سمعت رجلا يقول: [الكامل]
إنّ الهوان هو الهوى قلب اسمه... فإذا هويت فقد لقيت هوانا
وسئل ابن المقفّع عن الهوى، فقال: هوان سرقت نونه، فأخذه شاعر، فنظمه: [الكامل]
نون الهوان من الهوى مسروقة... فإذا هويت فقد لقيت هوانا
وقال سهل بن عبد الله التستري: هواك داؤك، فإن خالفته، فدواؤك، وللعلماء في هذا الباب في ذمّ الهوى ومخالفته كتب، وأبواب أشرنا إلى ما فيه كفاية منه، وحسبك قوله تعالى:
{وَأَمّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى (٤٠) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى}.
{أَنْ تَعْدِلُوا} أي: لأن تعدلوا عن الحقّ، أو كراهة أن تعدلوا. من العدل. والأول بمعنى:
أن تميلوا، وهو أحد الأفعال التي يتغيّر معناها بتغير الجار، تقول: عدلت عنه بمعنى: أعرضت عنه، وتقول: عدلت إليه بمعنى: أقبلت عليه. وانظر الآيتين رقم [٢٧ و ١٢٧] والفعل «تعدل» جاء هنا محتملا لمعنى الميل، والمعنى العدل، وقد يجيء محتملا لمعنى الميل، ومعنى التّسوية، فذلك كما في قوله تعالى في أول سورة (الأنعام): {ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} فإن جعلت الجار والمجرور: {بِرَبِّهِمْ} متعلقين ب {يَعْدِلُونَ} كان المعنى: إنّ الكفار يسوّون الأصنام بربهم، وإن جعلتهما متعلقين بالفعل: {كَفَرُوا} كان: {يَعْدِلُونَ} بمعنى: يميلون، والمعنى:
إنّ الكفار يميلون، وينحرفون عن إفراد الله تعالى بالوحدانية. وانظر (المائدة) رقم [٨].
{وَإِنْ تَلْوُوا} أي: ألسنتكم عن شهادة الحقّ، فلا تؤدّونها كما ينبغي. هذا ويقرأ بضم اللام، وإسكان الواو من الولاية، بمعنى: وإن وليتم إقامة الشّهادة فأدّوها على وجهها. {أَوْ تُعْرِضُوا} أي: عن أدائها؛ إذا دعيتم إلى أدائها. وهو حرام قطعا، قال تعالى في آخر سورة (البقرة): {وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} انظر شرحها هناك؛ فإنّه جيد، والحمد لله!.
{فَإِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ} من الجور في الشّهادة، أو من أدائها على وجهها. {خَبِيراً:}
بأقوالكم، وأفعالكم. ففي الآية تهديد، ووعيد شديدان.
تنبيه: قال السّدّيّ-رحمه الله تعالى-: إنّ فقيرا، وغنيّا اختصما إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فكان صغوه، واستماعه للفقير أكثر، يرى: أنّ الفقير لا يظلم الغنيّ، فأنزل الله هذه الآية، وأمر بالقيام بالقسط مع الفقير، والغني. وقيل: إنّ هذه الآية متعلقة بقصّة طعمة بن أبيرق المذكورة في الآية رقم [١٠٥] وما بعدها، فهي خطاب لقومه الّذين جادلوا عنه، وشهدوا بالباطل. والأولى التّعميم لحكمها في كلّ زمان، ومكان.