للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالقدرة على مجازاتهم. هذا؛ وقال الجمل نقلا عن الخطيب: فيه وجوه: أحدها أن المراد وصف اقتداره عليهم، وأنهم في قبضته، وحصره، كالمحاط إذا أحيط به من ورائه، ينسد عليه مسلكه، فلا يجد مهربا، يقول الله تعالى: فهم كذا في قبضتي، وأنا قادر على إهلاكهم، ومعالجتهم بالعذاب على تكذيبهم إياك، فلا تجزع من تكذيبهم إياك، فليسوا يفوتونني إذا أردت الانتقام منهم! ثانيها: أن يكون المراد من هذه الإحاطة قرب إهلاكهم، كقوله تعالى: {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ} رقم [٢٢] من سورة (يونس) على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام، فهو عبارة عن مشارفة الهلاك، ثالثها: أنه تعالى محيط بأعمالهم؛ أي: عالم بها، فيجازيهم عليها. انتهى.

هذا؛ و {مُحِيطٌ} أصله: «محيط» فقل في إعلاله: اجتمع معنا حرف صحيح ساكن، وحرف علة متحرك، والحرف الصحيح أولى بالحركة من حرف العلة، فنقلت حركة الياء، وهي الكسرة إلى الحاء قبلها بعد سلب سكونها، فصار {مُحِيطٌ}. ومثله: مبين، ومهين... إلخ. وانظر شرح (وراء) في الآية رقم [٢٧] من سورة (الإنسان).

{بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ} أي: شريف كريم، كثير النفع والخير، والناس محتاجون إليه في أحكام الدين والدنيا، لا كما يزعم المشركون أنه شعر وكهانة. {فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} أي: مكتوب، ومسجل في لوح، وهو محفوظ عند الله تعالى من وصول الشياطين إليه، وقيل: هو أمّ الكتاب، ومنه تنسخ جميع الكتب السماوية. وسمي محفوظا؛ لأنه حفظ من الشياطين، ومن الزيادة، والنقص، وهو عن يمين العرش. وروى الضحاك عن ابن عباس-رضي الله عنهما-قال: اللوح المحفوظ من ياقوتة حمراء، أعلاه معقود بالعرش، وأسفله في حجر ملك، يقال له: ماطريون، كتابه نور، وقلمه نور، ينظر الله عزّ وجلّ فيه كل يوم ثلاثمئة وستين نظرة، ليس منها نظرة إلا وهو يفعل ما يشاء، يرفع وضيعا، ويضع رفيعا، ويغني فقيرا، ويفقر غنيا، ويحيي، ويميت، ويفعل ما يشاء، لا إله إلا هو. وفيه أصناف الخلق، والخليقة، وبيان أمورهم، وذكر آجالهم، وأرزاقهم، وأعمالهم، والأقضية النافذة فيهم، ومآل عواقب أمورهم، وهو أمّ الكتاب.

وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: أول شيء كتابه الله تعالى في اللوح المحفوظ «إنّي أنا الله لا إله إلاّ أنا محمد رسولي، من استسلم لقضائي، وصبر على بلائي، وشكر لنعمائي، كتبته صدّيقا، وبعثته مع الصدّيقين، ومن لم يستسلم لقضائي، ولم يصبر على بلائي، ولم يشكر نعمائي؛ فليتّخذ إلها سواي». وكتب الحجاج إلى محمد ابن الحنفية-رضي الله عنهما-يتوعّده، فكتب إليه ابن الحنفية: بلغني: أن لله تعالى في كل يوم ثلاثمئة وستين نظرة في اللوح المحفوظ، يعز، ويذل، ويبتلي، ويفرج، ويفعل ما يريد، فلعلّ نظرة منها تشغلك بنفسك، فتشتغل بها، ولا تتفرغ.

وروى البغوي بإسناد الثعلبي عن ابن عباس-رضي الله عنهما-قال: إن في صدر اللوح: لا إله إلا الله وحده، دينه الإسلام، ومحمد عبده، ورسوله، فمن آمن بالله عزّ وجلّ، وصدّق

<<  <  ج: ص:  >  >>