إلا أن يأتيهم الله؛ أي: أمر الله، أو عذابه. فالكلام على حذف مضاف، مثل قوله تعالى في سورة (الحشر): {فَأَتاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا} أي: بخذلانه إياهم.
{فِي ظُلَلٍ} جمع ظلّة، كقلة، وقلل، وهي ما أظلّك، وعلاك، وتجمع (ظلة) جمع مؤنث سالما: ظللات، وأنشد سيبويه قول النابغة الجعدي-رحمه الله تعالى-: [الطويل]
إذا الوحش ضمّ الوحش في ظللاتها... سواقط من حرّ وقد كان أظهرا
وظلال: جمع ظل في الكثير، والقليل: أظلال. {مِنَ الْغَمامِ} هو السّحاب الأبيض، وإنّما يأتيهم العذاب فيه؛ لأنّه مظنّة الرّحمة، فإذا جاء العذاب منه؛ كان أفظع؛ لأنّ الشر إذا جاء من حيث لا يحتسب، كان أصعب، فكيف إذا جاء من حيث يحتسب بالخير، قال تعالى في بيان عذاب قوم هود-على نبينا وعليه ألف صلاة وألف سلام-: {فَلَمّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا،} قال تعالى: {بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ} الآية رقم [٢٤] من سورة (الأحقاف).
{وَالْمَلائِكَةُ} أي: وتأتيهم الملائكة. ففي تفسير ابن كثير: أي: ما ينتظرون شيئا إلا أن يأتيهم الله يوم القيامة لفصل القضاء بين الخلائق؛ حيث تنشقّ السّماء، وينزل الجبار-عزّ وجل-في ظلل من الغمام، وحملة العرش، والملائكة الذين لا يعلم كثرتهم إلا الله، ولهم زجل من التسبيح، يقولون: سبحان ذي الملك، والملكوت! سبحان رب العرش، والجبروت! سبحان الحيّ الذي لا يموت! سبحان الّذي يميت الخلائق، ولا يموت! سبّوح قدوس، ربّ الملائكة والرّوح.
و {وَقُضِيَ الْأَمْرُ} أي: انتهى أمر الخلائق بالفصل بينهم، كما قال تعالى:{فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} الآية رقم [٧] من سورة (الشورى)، وانظر ما ذكرته في الآية رقم [٣٩] من سورة (مريم) على نبينا، وعليها ألف صلاة، وألف سلام. {وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ:} هو مثل قوله تعالى: {أَلا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ} رقم [٥٣] من سورة (الشورى) وقوله جلّ ذكره في كثير من الآيات: {إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ} والمقصود: تصوير عظمته تعالى يوم القيامة، وهولها وشدتها، وبيان: أن الحاكم فيها هو ملك الملوك جلّ وعلا؛ الذي لا معقّب لحكمه، ولا رادّ لقضائه، وهو أحكم الحاكمين. بعد هذا فخذ ما يلي:
قال الخازن-رحمه الله تعالى-: واعلم: أنّ هذه الآية من آيات الصّفات، وللعلماء في آيات الصّفات، وأحاديث الصّفات مذهبان:
أحدهما: وهو مذهب سلف هذه الأمة، وأعلام أهل السنّة: الإيمان، والتسليم لما جاء في آيات الصّفات، وأحاديث الصّفات، وأنّه يجب علينا الإيمان بظاهرها، ونؤمن بها كما جاءت، ونكل علمها إلى الله، وإلى رسوله صلّى الله عليه وسلّم، مع الإيمان، والاعتقاد بأنّ الله تعالى منزّه عن سمات الحدوث، وعن الحركة والسّكون.