{صَنَعُوا قارِعَةٌ} أي: داهية تفزعهم وتقلقهم بسبب كفرهم، مرة بالجدب، ومرة بالسلب، ومرة بالقتل والأسر، كما حصل في غزوة بدر. {أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ} أي: تنزل القارعة والبلية قريبا من مكة دار المشركين، والمراد بذلك السرايا والبعوث التي كان الرسول صلّى الله عليه وسلّم يبعثها إلى قبائل العرب حول مكة، فتقتل من المشركين، وتنهب من أموالهم ومواشيهم، وقيل: إن المراد أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قد حل بجيشه قريبا من دارهم عام الحديبية. {حَتّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللهِ} أي: الموت، أو فتح مكة، أو يوم القيامة لأن الله يجمعهم فيه، فيجازيهم بأعمالهم. {إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ}:
فيه تسلية للنبي صلّى الله عليه وسلّم، وتشجيع قلبه، وإزالة الحزن عنه، وتثبيته في الملمات.
هذا؛ والوعد يستعمل في الخير وفي الشر، فإذا قلت: وعدت فلانا؛ من غير أن تتعرض لذكر الموعود به، كان ذلك خيرا، وإذا قلت: أوعدت فلانا من غير ذكر الموعود به، كان ذلك شرّا، وهو ما في بيت طرفة بن العبد من معلقته: [الطويل]
وإنّي، وإن أوعدته، أو وعدته... لمخلف إيعادي، ومنجز موعدي
وهذا هو قول الجوهري، وقول كثير من أئمة اللغة، وأما عند ذكر الموعد به، أو الموعد به، فيجوز أن يستعمل (وعد) في الخير وفي الشر، فمن الأول قوله تعالى: {وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً،} ومن الثاني قوله جل شأنه: {قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ النّارُ وَعَدَهَا اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} وأنشدوا: [الطويل]
إذا وعدت شرّا أتى قبل وقته... وإن وعدت خيرا أراث وعتّما
كما يستعمل (أوعد) فيهما أيضا، كقوله: (أوعدت الرجل خيرا، وأوعدته شرا)، هذا؛ والمركز في الطبائع: أن من مكارم الأخلاق، وجميل العادات أنك إذا وعدت غيرك أن تنزل به شرّا، كان الخلف محمدة، وإذا وعدته خيرا، كان الخلف منقصة، وهذا ما أراده طرفة في بيته المتقدم.
هذا؛ والثابت عند الأشاعرة أنه يجوز إخلاف الوعيد في حقه تعالى كرما، وعند الماتريدية:
لا يجوز، وأما الوعد فلا يجوز الخلف في حقه تعالى اتفاقا، دليل الأشاعرة قول النبي صلّى الله عليه وسلّم:
«من وعده الله على عمل ثوابا، فهو منجز له، ومن أوعده على عمل عقابا، فهو بالخيار، إن شاء عذّبه، وإن شاء عفا عنه».
تنبيه: نزلت الآية الكريمة في نفر من قريش، منهم أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية كانوا خلف الكعبة، وأرسلوا خلف النبي صلّى الله عليه وسلّم فأتاهم، فقال له عبد الله بن أبي أمية: إن سرك أن نتبعك، فسيّر جبال مكة بالقرآن فادفعها عنا حتى تنفتح عنا، فإنها أرض ضيقة لمزارعنا، واجعل لنا فيها أنهارا وعيونا لنغرس الأشجار ونتخذ البساتين، فلست كما زعمت بأهون على ربك من داود حيث سخر له الجبال تسير معه، أو سخرها لنا لنركبها إلى الشام لميرتنا، وحوائجنا ونرجع