للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وروي: أن أبا جهل الخبيث مر على النبي صلّى الله عليه وسلّم، وهو يصلي عند المقام، فقال له أبو جهل:

ألم أنهك عن هذا يا محمد؟! فأغلظ له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم القول، فقال له أبو جهل: بأي شيء تهددني يا محمد؟! والله إني لأكثر أهل الوادي هذا ناديا! وروي: أنه كان قال للنبي صلّى الله عليه وسلّم لما انتهره حيث نهاه عن الصلاة: لقد علمت ما بها رجل أكثر ناديا مني، لأملأن عليك هذا الوادي، إن شئت خيلا جردا، ورجالا مردا! فكانت الآية الكريمة ردا عليه. وفي الأخبار: أن الزبانية رؤوسهم في السماء، وأرجلهم في الأرض. وقيل: إنهم أعظم الملائكة خلقا، وأشدهم بطشا، والعرب تطلق هذا الاسم على من اشتد بطشه. قال الشاعر: [الطويل]

مطاعيم في القصوى مطاعين في الوغى... زبانية غلب عظام حلومها

{كَلاّ لا تُطِعْهُ:} ليس الأمر على ما يظنه أبو جهل، فلا تطعه فيما دعاك إليه من ترك الصلاة. {وَاسْجُدْ} أي: صل لله. {وَاقْتَرِبْ} أي: تقرب إلى الله جل ثناؤه بالطاعة والعبادة.

وقيل: المعنى إذا سجدت؛ فاقترب من الله بالدعاء. روى عطاء عن أبي هريرة-رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أقرب ما يكون العبد من ربّه، وأحبّه إليه ما كانت جبهته في الأرض ساجدا لله». انتهى. قرطبي، والحديث المشهور: «أقرب ما يكون العبد من ربّه وهو ساجد».

قال العلماء: وإنما كان ذلك؛ لأنها نهاية العبودية، والذلة، ولله العزة التي لا مقدار لها، فكلما بعدت من صفته؛ قربت من جنته، ودنوت من جواره في داره، وفي الحديث الصحيح: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «أمّا الركوع، فعظّموا فيه الرّبّ، وأمّا السجود فاجتهدوا فيه في الدعاء، فإنه قمن أن يستجاب لكم». ولقد أحسن من قال: [الكامل]

وإذا تذلّلت الرقاب تواضعا... منّا إليك فعزّها في ذلّها

هذا؛ والثابت عند الشافعي، وغيره: أنه يسن سجود التلاوة لقراءة هذه الآية، ولسماعها، وقد ذكرت لك في سجدة (الانشقاق) تثبت السجود لتلاوتها. وقد روى ابن وهب عن حماد بن زيد عن عاصم بن بهدلة عن زر بن حبيش عن علي-رضي الله عنه-قال: (عزائم السجود أربع:

الم، وحم تنزيل من الرحمن الرحيم، والنجم، واقرأ باسم ربك). وقال القرطبي-رحمه الله تعالى-: قلت: وقد روينا من حديث مالك بن أنس عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن نافع عن ابن عمر-رضي الله عنهما-قال: لما أنزل الله تعالى: {اِقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمعاذ: «اكتبها يا معاذ!». فأخذ معاذ-رضي الله عنه-اللوح، والقلم، والنون، وهي الدواة، فكتبها معاذ-رضي الله عنه-. فلما بلغ: {كَلاّ لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} سجد اللوح، وسجد القلم، وسجدت النون، وهم يقولون: اللهم ارفع به ذكرا، اللهم احطط به وزرا، اللهم اغفر به ذنبا. قال معاذ: سجدت، وأخبرت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فسجد. وانظر الآية رقم [٢١] من سورة (الانشقاق).

<<  <  ج: ص:  >  >>