مفرقا في ثلاث وعشرين سنة على حسب الوقائع، ومقتضيات الأحوال على ما نرى عليه أهل الشعر والخطابة، وهذا مما يريب القرشيين كما حكى سبحانه وتعالى ذلك عنهم:{وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً} فبين سبحانه الحكمة من ذلك بقوله: {كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً} سورة (الفرقان) رقم [٣٢].
(فرضناها) أي: فرضنا عليكم، وعلى من بعدكم ما فيها من الأحكام. ويقرأ بتشديد الراء؛ أي: أنزلنا فيها فرائض مختلفة، أو للمبالغة في إيجاب أحكامها، أو المعنى: قطعناها في الإنزال نجما نجما، والفرض: القطع، ومنه فرائض الميراث، وفرض النفقة. {وَأَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ:} واضحات الدلالة، وانظر شرح (آية) في (الأنبياء) رقم [٥]. {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ:} تتعظون فتنتفعون بذلك، وأصل الفعل: تتذكرون، فحذفت إحدى التاءين للتخفيف، وهو كثير في القرآن الكريم، ويقرأ بتسكين الذال. هذا؛ والترجي في هذه الآية، وأمثالها إنما هو بحسب عقول البشر؛ لأن الله تعالى لا يحصل منه ترجّ، ورجاء لعباده، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
الإعراب:{سُورَةٌ:} خبر مبتدأ محذوف، التقدير: هذه سورة، أو هو مبتدأ خبره محذوف، التقدير: فيما أوحينا إليك سورة، وقال أبو عبيدة، والأخفش: مبتدأ خبره الجملة الفعلية بعده، وهو ضعيف جدا؛ لأنه نكرة، ولا يجوز الابتداء بالنكرة، وأضعف منه اعتبار (سورة) مبتدأ، والجملة بعده صفة له، والخبر في قوله:{الزّانِيَةُ وَالزّانِي..}. إلخ. هذا؛ ويقرأ:
والثاني: أنه منصوب بفعل محذوف، يفسره ما بعده، أي: أنزلنا سورة، ومثل ذلك قول الربيع بن ضبيع بن وهب:[المنسرح]
والذّئب أخشاه إن مررت به... وحدي، وأخشى الرّياح والمطرا
وقول الفراء: هو حال من الضمير المنصوب بعده، لا وجه له ألبتة، ومثله قول الزمخشري هو منصوب على الإغراء، التقدير: دونك سورة، ولا تنس: أن قراءة النصب ليست سبعية.
{أَنْزَلْناها:} فعل، وفاعل، ومفعول به، والجملة الفعلية صفة {سُورَةٌ} على جميع الوجوه المعتبرة في إعرابه، ما عدا وجه الاشتغال، فهي مفسرة للفعل المقدر ب:«أنزلنا»، والجملتان:
(فرضناها، وأنزلنا فيها) معطوفتان عليها. {آياتٍ:} مفعول به. {بَيِّناتٍ:} صفة له، وكلاهما منصوب، وعلامة نصبه الكسرة نيابة عن الفتحة؛ لأنه جمع مؤنث سالم. {لَعَلَّكُمْ:} حرف مشبه بالفعل، والكاف اسمه. {تَذَكَّرُونَ:} مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ثبوت النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة، والواو فاعله، والجملة الفعلية في محل رفع خبر (لعل)، والجملة الاسمية:
{لَعَلَّكُمْ..}. إلخ تعليل للإنزال وللفرض. وقيل: في محل نصب حال، ولا وجه له ألبتة.