للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

-رضي الله عنه-قال: كان النبي صلّى الله عليه وسلّم إذا نزل عليه حكم كرب لذلك، وتربّد وجهه، فأنزل الله عليه ذات يوم، فلقي كذلك، فلما سرّي عنه، قال: «خذوا عنّي قد جعل الله لهنّ سبيلا: البكر بالبكر جلد مئة، ونفي سنة، والثّيّب بالثّيّب الرّجم». رواه مسلم، والمراد بقوله صلّى الله عليه وسلّم: «قد جعل الله لهنّ سبيلا». هو المذكور في الآية رقم [١٥] من سورة (النساء)، وكذلك الآية الكريمة المنسوخ تلاوتها، الباقي حكمها، إلى يوم القيامة، ونصها: (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة، نكالا من الله، والله عزيز حكيم). وهذه الآية كانت من سورة (الأحزاب).

ولقد خطب سيدنا عمر بن الخطاب-رضي الله عنه-على المنبر، فقال: (أيها الناس، إنّ الله بعث محمدا صلّى الله عليه وسلّم بالحقّ، وأنزل عليه كتابا هاديا للنّاس، بشيرا ونذيرا، وكان فيما أنزل عليه:

(الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة، نكالا من الله، والله عزيز حكيم) فقر أناها، ووعيناها.

ثم قال: إني خشيت أن يطول بالناس زمان، فيقول قائل: لا نجد الرّجم في كتاب الله، فيضلّوا بترك فريضة أنزلها الله، ألا وإنّ الرّجم حقّ لمن زنى؛ وقد أحصن).

وعن عمران بن حصين-رضي الله عنه-: أن امرأة من جهينة أتت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهي حبلى من الزنى، فقالت: يا رسول الله! أصبت حدا، فأقمه عليّ! فدعا نبي الله صلّى الله عليه وسلّم وليها، فقال: «أحسن إليها، فإذا وضعت فائتني بها». ففعل، فأمر بها نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم، فشدت عليها ثيابها، ثم أمر بها، فرجمت، ثم صلى عليها، فقال له عمر-رضي الله عنه-: تصلي عليها يا رسول الله! وقد زنت؟! قال: «لقد تابت توبة، لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وهل وجدت أفضل من أن جادت بنفسها لله عز وجل». رواه مسلم.

وقد أيد ذلك قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم وفعله، فقد ثبت: أنه رجم ماعزا، والغامديّة في حديث صحيح حينما اعترفا بالزنى. وورد في الصحيح عن أبي هريرة-رضي الله عنه-: أن أعرابيين جاآ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ومع أحدهما ولده، فقال الوالد: يا رسول الله! إن ولدي هذا زنى في زوجته، وأشار إلى الأعرابيّ الذي معه، فسقت للأعرابيّ مئة شاة وجارية كفارة لولدي. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ردّ الشياه، وأرجع الجارية، ولا بدّ من جلد ولدك مئة جلدة، وأن يغرّب عاما وينفى». ثم قال صلّى الله عليه وسلّم لأحد أصحابه: «اذهب مع هذا الأعرابيّ، واسأل المرأة، فإن أقرّت بالزّنى فاحفروا لها حفرة، وارجموها حتى تموت، وإن لم تقرّ فلا سبيل لكم عليها». ولكن المرأة أقرّت بالزّنى، فرجمت حتّى فاضت روحها، وكان ذلك كفارة لذنبها. رحمها الله تعالى.

{وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ:} رحمة، وقيل: الرأفة في دفع المكروه، والرحمة في إيصال المحبوب، والرأفة أرق من الرحمة، والمعنى: أن الواجب على المؤمنين أن يتصلبوا في دين الله، ولا يأخذهم اللين في استيفاء حدوده، فيعطلوا الحدود، أو يخففوا الضرب. وفي {رَأْفَةٌ} أربع قراآت. فعن أبي هريرة-رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لحدّ يقام في الأرض خير

<<  <  ج: ص:  >  >>