للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَعَزَّرْتُمُوهُمْ..}. إلخ. وقال تعالى في سورة (الأعراف) رقم [١٥٧] في مدح وبيان أتباع محمد صلّى الله عليه وسلّم:

{فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ..}. إلخ. {وَتُسَبِّحُوهُ:} معناه: إذا ذكرتموه ينبغي أن يكون ذكركم إياه على وجه التعظيم، والتقديس، والتنزيه عن كل سوء. {بُكْرَةً وَأَصِيلاً} أي: أول النهار، وآخره. وخصّا بالذكر؛ لأنّ ملائكة الليل، وملائكة النهار يجتمعون في هذين الوقتين، كما في الحديث الشريف الصحيح: «يتعاقبون فيكم ملائكة باللّيل وملائكة بالنّهار... إلخ».

وإنّما اختصّ التسبيح بالذكر من بين أنواع الذكر لبيان فضله على سائر الأذكار، كما اختص جبريل، وميكائيل بالذكر من بين الملائكة لبيان فضلهما؛ لأن معنى التسبيح: تنزيه الله تعالى عما لا يجوز عليه من الصفات، ويجوز أن يراد بالذكر، والتسبيح، والإكثار منهما تكثير الطاعات، والعبادات، فإنها من جملة الذكر، ثم خصّ من ذلك التسبيح بكرة، وهي صلاة الفجر، وأصيلا وهي صلاة الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء لمزيد الاهتمام بشأن الصلاة. هذا؛ والتسبيح يأتي بمعنى الدعاء، قال جرير: [الطويل] فلا تنس تسبيح الضّحى إنّ يوسفا... دعا ربّه فاختاره حين سبّحا

وإنّما خصّ هذين الوقتين بالذكر؛ لأنّ الإنسان يقوم بالغداة من النوم الذي هو أخو الموت، فاستحبّ له أن يستقبل حالة الانتباه من النوم، وهو وقت الحياة من موت النوم بالذكر؛ ليكون أول أعماله ذكر الله عزّ وجل، وأمّا وقت الأصيل، وهو آخر النهار، فإنّ الإنسان يريد أن يستقبل النوم، الذي هو أخو الموت، فيستحب له أن يستقبله بالذكر؛ لأنه حالة تشبه الموت، ولعله لا يقوم من تلك النومة، فيكون موته على ذكر الله عزّ وجل.

هذا؛ وقد جاء لفظ التسبيح في القرآن الكريم بالماضي أحيانا، وبالمضارع أحيانا، وبالأمر أحيانا، وبالمصدر أحيانا أخرى، استيعابا لهذه المادة من جميع جهاتها، وألفاظها، وهي أربع:

المصدر، والماضي، والمضارع، والأمر. وهذا الفعل بألفاظه الأربعة، قد عدّي باللام تارة، مثل قوله تعالى: {سَبَّحَ لِلّهِ،} وقوله جلّت حكمته: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ..}. إلخ، وبنفسه أخرى، مثل قوله تعالى شأنه في هذه الاية: {وَتُسَبِّحُوهُ،} وفي سورة (الأحزاب) رقم [٤٢]:

{وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً،} وقوله جلّت قدرته في آخر سورة (ق): {وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ} وأصله التعدي بنفسه؛ لأنّ معنى سبّحته بعدته من السوء، منقول من سبح: إذا ذهب، وبعد، فاللام إمّا أن تكون مثل: نصحته، ونصحت له، وشكرته، وشكرت له، وإما أن يراد يسبح لله: اكتسب التسبيح لأجل الله، ولوجهه خالصا.

هذا؛ والبكرة بمعنى: الغدوة، يقال: بكّر بالتشديد، وابتكر، وأبكر، وباكر، وبكر بالتخفيف خرج في وقت البكرة، قال زهير في معلّقته رقم [١٣]: [الطويل] بكرن بكورا واستحرن بسحرة... فهنّ ووادي الرّسّ كاليد في الفم

<<  <  ج: ص:  >  >>