أم الساحر؟ فأخذ حجرا، ثم قال: اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر؛ فاقتل هذه الدابة؛ حتى يمضي الناس، فرماها، فقتلها، فمضى الناس، فأتى الراهب، فأخبره، فقال له الراهب: أي بني! أنت أفضل مني، قد بلغ من أمرك ما أرى، وإنك ستبتلى، فإن ابتليت؛ فلا تدل عليّ. فكان الغلام يبرئ الأكمه، والأبرص، ويداوي الناس من سائر الأدواء، فسمع جليس للملك كان قد عمي، فأتاه بهدايا كثيرة، فقال: ما هاهنا لك أجمع؛ إن أنت شفيتني. قال: إني لا أشفي أحدا، إنما يشفي الله عزّ وجلّ، فإن آمنت بالله؛ دعوت الله-عزّ وجلّ-فشفاك! فآمن به، فشفاه الله، عزّ وجلّ، فأتى الملك، فجلس إليه، كما كان يجلس، فقال الملك له: من رد عليك بصرك؟ فقال: ربي، فقال: ألك رب غيري؟ قال: ربي، وربك الله! فأخذه، فلم يزل يعذبه حتى دله على الغلام، فجيء بالغلام فقال له الملك؛ أي بني! إنه قد بلغ من سحرك ما تبرئ به الأكمه والأبرص، وتفعل وتفعل، فقال: إني لا أشفي أحدا، إنما يشفي الله عزّ وجلّ، فأخذه، فلم يزل يعذبه حتى دله على الراهب، فجيء بالراهب. فقال له: ارجع عن دينك! فأبى، فدعا بالميشار، فوضع الميشار في مفرق رأسه، فشقه به؛ حتى وقع شقاه، ثم جيء بجليس الملك، فقيل له: ارجع عن دينك فأبى، فدعا بالميشار، فوضعه في مفرق رأسه، فشقه به؛ حتى وقع شقاه، ثم جيء بالغلام، فقيل له: ارجع عن دينك، فأبى، فدفعه إلى نفر من أصحابه، فقال لهم: اذهبوا به إلى جبل كذا، وكذا، فاصعدوا به الجبل، فإذا بلغتم ذروته، فإن رجع عن دينه؛ وإلا فاطرحوه. فذهبوا به، فصعدوا به الجبل، فقال: اللهم اكفنيهم بما شئت! فرجف بهم الجبل، فسقطوا، وجاء يمشي إلى الملك، فقال له الملك: ما فعل أصحابك؟ قال: كفانيهم الله! فدفعه إلى نفر من أصحابه، فقال: اذهبوا به، فاحملوه في قرقور (سفينة صغيرة) فتوسطوا به البحر، فإن رجع عن دينه؛ وإلا فاقذفوه. فذهبوا به، فقال: اللهم اكفنيهم بما شئت! فانكفأت بهم السفينة، فغرقوا، وجاء يمشي إلى الملك، فقال له الملك: ما فعل أصحابك؟ فقال:
كفانيهم الله تعالى! ثم قال للملك: إنك لست بقاتلي؛ حتى تفعل ما آمرك به. فقال: وما هو؟ قال: تجمع الناس في صعيد واحد، وتصلبني على جذع نخل، ثم خذ سهما من كنانتي، ثم ضع السهم في كبد القوس، ثم قل: باسم الله ربّ الغلام، ثم ارمني به، فإنك إن فعلت ذلك؛ قتلتني! فجمع الناس في صعيد واحد، وصلبه على جذع، ثم أخذ سهما من كنانته، ثم وضع السهم في كبد القوس، ثم قال: باسم الله ربّ الغلام، ثم رماه، فوقع السهم في صدغه، فوضع يده على صدغه موضع السهم فمات، فقال الناس: آمنا برب الغلام، آمنا برب الغلام، آمنا برب الغلام! فأتي الملك، فقيل له: أرأيت ما كنت تحذر. قد والله نزل بك حذرك! قد آمن الناس.
فأمر بالأخدود في أفواه السكك، فحفرت، وأضرم النيران. وقال: من لم يرجع عن دينه، فأقحموه فيها. ففعلوا، فجاءت امرأة؛ ومعها صبي لها، فتقاعست أن تقع فيها، فقال لها الغلام: يا أمّه! اصبري، فإنك على الحق». هذا حديث صحيح أخرجه مسلم.