وفي هذا الحديث إثبات كرامات الأولياء، وفيه جواز الكذب في مصلحة ترجع إلى الدين، وفيه إنقاذ النفس من الهلاك، والدابة حية عظيمة، أو أسد. وهذه الحادثة كانت في الفترة بين عيسى، ومحمد صلّى الله عليه وسلّم، واختلف في مكانها، فقيل: كانت في اليمن. وقيل: كانت بنجران. وقيل:
كانت في الحبشة. هذا؛ وقد قال صاحب السيرة الحلبية، وقد تكلم جماعة في المهد، نظمهم الجلال السيوطي-رحمه الله تعالى-في قوله:[الطويل]
تكلّم في المهد النبيّ محمد... ويحيى وعيسى والخليل ومريم
ومبري جريج ثم شاهد يوسف... وطفل لدى الأخدود يرويه مسلم
وطفل عليه مرّ بالأمة التي... يقال لها تزني ولا تتكلّم
وما شطة في عهد فرعون طفلها... وفي زمن الهادي المبارك يختم
قال بعضهم: لكن النبي صلّى الله عليه وسلّم حصر من تكلم في المهد في ثلاثة، ولم يذكر نفسه، فقد روي عن أبي هريرة-رضي الله عنه-مرفوعا:«لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة: عيسى، وصاحب جريج، وابن المرأة التي مرّ عليها بامرأة، يقال لها: إنها زنت». وقد يقال: هذا الحصر إضافي؛ أي: ثلاثة من بني إسرائيل، أو إن ذلك كان قبل أن يعلم بما زاد. انتهى. والله أعلم.
الإعراب:{قُتِلَ:} فعل ماض مبني للمجهول. {أَصْحابُ:} نائب فاعله، و {أَصْحابُ} مضاف، و (الأخدود) مضاف إليه، والجملة الفعلية جواب القسم، وحذف صدرها، التقدير: لقد قتل، وإنما احتيج لهذا المقدر؛ لأن المشهور عند النحاة: أن الماضي المثبت المتصرف؛ الذي لم يتقدم معموله إذا وقع جوابا للقسم؛ تلزمه اللام وقد، ولا يجوز الاقتصار على إحداهما إلا عند طول الكلام، كما في قوله تعالى في سورة (الشمس): {وَالشَّمْسِ وَضُحاها..}. إلى قوله:{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكّاها،} أو في ضرورة، وعلى هذا فجملة:{قُتِلَ..}. إلخ خبرية، وليست دعائية، والأصل أن تكون دعائية دالة على الجواب، كأنه قيل: أقسم بهذه الأشياء على أنهم؛ أي: كفار مكة ملعونون، كما لعن أصحاب الأخدود. انتهى. جمل نقلا من أبي السعود. هذا؛ وعلى إبقاء الجملة على أصلها؛ فالجواب محذوف، فيكون الجواب محذوفا تقديره: لتبعثن. وهذا اختيار ابن الأنباري. وقيل: الجواب جملة: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا..}. إلخ، وقيل: جملة: {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ..}. إلخ وهو ضعيف؛ لأن الكلام قد طال. {النّارِ:} بدل اشتمال من: {أَصْحابُ الْأُخْدُودِ؛} لأن الأخدود مشتمل على النار، وحينئذ فلا بد من ضمير مقدر؛ أي: النار فيه. وقال الكوفيون: هو مخفوض على الجوار. قاله مكي. هذا؛ وقال القرطبي-رحمه الله تعالى-: وقرأ أشهب العقيلي وأبو السماك العدوي، وابن السميقع:(النار ذات) بالرفع فيهما؛ أي: فهما مبتدأ، وخبر، وتكون الجملة فيها معنى التفسير ل:{الْأُخْدُودِ}. {إِذْ:}
ظرف لما مضى من الزمان مبني على السكون في محل نصب متعلق بالفعل:{قُتِلَ}. {هُمْ:} ضمير