فإن الله تعالى قد أقر عينه يوم بدر، ثم فتح الله عليه مكة، وسائر جزيرة العرب في حياته، ووعد أصحابه ملك كسرى، وقيصر على لسانه، وقد حقق الله عز وجل ذلك لأصحابه بعد وفاته صلّى الله عليه وسلّم.
{أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ:} قبل أن ترى تحقيق ذلك. {فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ:} يوم القيامة؛ أي: فننتقم منهم أشد الانتقام، ونحوه قوله تعالى في سورة (الزخرف) رقم [٤١]: {فَإِمّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ (٤١) أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْناهُمْ فَإِنّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ}.
تنبيه: (إمّا): أصلها: إن ما «إن» الشرطية، و «ما» الزائدة، فأفادت التوكيد؛ لأن معنى «إن» في الأصل: الشك، فزال هذا المعنى بسبب «ما»؛ ولذا أكد الفعل بعدها بنون التوكيد الثقيلة.
وذكر ابن هشام في المغني أن توكيد الفعل بعدها قريب من الواجب، وذكر آيات كثيرة؛ الفعل المضارع مؤكد فيها بنون التوكيد. وأضيف: أنه قرئ قوله تعالى في سورة (مريم) رقم [٢٦]:
{فَإِمّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً} بدون تأكيد الفعل بنون التوكيد.
الإعراب: {فَاصْبِرْ:} الفاء: حرف استئناف، أو هي الفصيحة؛ لأنها تفصح عن شرط مقدر، التقدير: وإذا كان ذلك واقعا، وحاصلا للكافرين في الآخرة؛ فاصبر على أذى قومك، وتأسّ بمن سلف قبلك من الأنبياء، والفاعل مستتر تقديره: «أنت»، والمتعلق محذوف، كما رأيت تقديره في الشرح، والكلام مستأنف لا محل له على الوجهين المعتبرين بالفاء.
{إِنَّ:} حرف مشبه بالفعل. {وَعْدَ:} اسمها، وهو مضاف، و {اللهِ} مضاف إليه، من إضافة المصدر لفاعله. {حَقٌّ:} خبر (إنّ)، والجملة الاسمية تعليل للأمر لا محل لها. {فَإِمّا:}
الفاء: حرف عطف، وتفريع. (إمّا): (إن): حرف شرط جازم، و (ما): صلة. {نُرِيَنَّكَ:} فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة؛ التي هي حرف لا محل له، وهو في محل جزم فعل الشرط، والكاف مفعول به أول، والفاعل مستتر تقديره: «نحن». {بَعْضَ:} مفعول به ثان، و {بَعْضَ} مضاف، و {الَّذِي} اسم موصول مبني على السكون في محل جر بالإضافة.
{نَعِدُهُمْ:} فعل مضارع، والفاعل تقديره: «نحن»، والهاء مفعول به أول، والمفعول الثاني محذوف وهو العائد؛ إذ التقدير: نعدهم إياه، والجملة هذه صلة الموصول، لا محل لها، والجملة الفعلية: {نُرِيَنَّكَ..}. إلخ لا محل لها؛ لأنها ابتدائية، ويقال: لأنها جملة شرط غير ظرفي، وجواب الشرط محذوف، التقدير: فذاك حاصل، {أَوْ:} حرف عطف. {نَتَوَفَّيَنَّكَ:}
معطوف على نرينك، فهو مثله في إعرابه. {فَإِلَيْنا:} الفاء: واقعة في جواب الشرط المقدر قبل:
{نَتَوَفَّيَنَّكَ}. (إلينا): جار ومجرور متعلقان بما بعدهما. {يُرْجَعُونَ:} فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع... إلخ، والواو نائب فاعله، والجملة الفعلية جواب للشرط المقدر قبل: {نَتَوَفَّيَنَّكَ}.
وهذا الكلام معطوف على ما قبله، لا محل له مثله. هذا؛ وقال البيضاوي-رحمه لله تعالى-:
ويجوز أن يكون-أي: جملة (إلينا يرجعون) -جوابا لهما؛ أي: للشرطين: المذكور والمقدر،