للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قومه، وكذبوه فيها، فصبروا. وكانوا أبدا يقترحون على أنبيائهم إظهار المعجزات الزائدة على ما أتوا به عنادا، وعبثا، وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله، والله سبحانه علم الصلاح في إظهار ما أظهروه دون غيره، ولم يقدح في نبوتهم، فكذلك الحال في اقتراح قومك عليك المعجزات الزائدة على ما أتيت به لمّا لم يكن إظهارها حاصلا؛ لا جرم لم تظهرها. انتهى.

جمل نقلا من الخطيب.

هذا؛ والقصص: تتبع الأثر، يقال: قص فلان أثر فلان؛ أي: تتبعه ليعرف أين ذهب؟ ومنه قوله تعالى حكاية عن قول أم موسى في سورة (القصص) رقم [١١]: {وَقالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ} أي: اتبعي أثره، وإنما سميت الحكاية قصة؛ لأن الذي يقص الحديث، يذكر تلك القصة شيئا فشيئا. قال تعالى في سورة (هود) على نبينا، وحبيبنا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام: {ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْقُرى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْها قائِمٌ وَحَصِيدٌ} رقم [١٠٠].

تنبيه: لقد قص الله علينا من قصص الأنبياء، والمرسلين في كتابه المبين ما فيه عظة، وعبرة للمؤمنين، وأرشدنا إلى مواطن العظة، والعبرة في حياة كل رسول؛ لنقتدي بهم في سيرتهم العطرة، وأخلاقهم الطاهرة، وليكونوا مصابيح تضيء للناس طرق السعادة، والفلاح. قال تعالى في سورة (يوسف) على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام: {لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} رقم [١١١] وقد ذكرت قصص الأنبياء في سور عديدة، فجاءت مكررة بحسب الظاهر، ولكن هذا التكرار له حكمته البالغة، وإشارته الدقيقة، فإنه يدل على إعجاز القرآن الكريم، وعلى أنه حقا كتاب منزل من عند الله.

فإن أبلغ البلغاء، وأفصح الفصحاء يستحيل عليه إذا كتب قصة مرة واحدة أن يكتبها مرة أخرى بألفاظ غير الأولى مع المحافظة على متانة الأسلوب، وفصاحة الألفاظ، وبلاغة التعبير، ولا بد أن يرى الفرق بين الأسلوبين واضحا كل الوضوح، أما القرآن الكريم فقد تفنن في سرد القصص بنفس تلك الفصاحة، والبيان، والروعة، والإتقان، فجاءت القصة فيه مكررة معبرة عن معنى واحد، ولكن بألفاظ أخرى، وعبارات مختلفة، فسبحان القادر على كل شيء، الذي أنزل كتابه المعجز تبيانا لكل شيء، وهدى، ورحمة لقوم يؤمنون. انتهى. «النبوة والأنبياء» للصابوني. بتصرف.

الإعراب: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً:} انظر الآية رقم [٣٤] فالإعراب لا يتغير. {مِنْ قَبْلِكَ:}

متعلقان بمحذوف صفة رسلا، والكاف في محل جر بالإضافة، والقسم وجوابه كلام مستأنف لا محل له. {مِنْهُمْ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم. {مِنْ:} اسم موصول، أو نكرة موصوفة مبنية على السكون في محل رفع مبتدأ مؤخر. هذا هو الإعراب الظاهر، والمتعارف عليه في مثل هذا التركيب، والأصح: أن مضمون الجار والمجرور: {مِنْهُمْ}

<<  <  ج: ص:  >  >>