للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا قول الأكثرين، وقد أنكر الجاحظ البيتين، وقال: كل شعر روي فيه فهو مصنوع، وأن الرمي لم يكن قبل المبعث. والقول بالرمي أصح، لقوله تعالى: {فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً} وهذا إخبار عن الجن: أنه زيد في حرس السماء؛ حتى امتلأت منهم، ولما روي عن ابن عباس-رضي الله عنهما-، قال: بينما النبي صلّى الله عليه وسلّم جالس في نفر من أصحابه؛ إذ رمي بنجم، فقال: «ما كنتم تقولون في مثل هذا في الجاهلية؟». قالوا: كنا نقول: يموت عظيم، أو يولد عظيم، فقال صلّى الله عليه وسلّم: «إنها لا ترمى لموت أحد، ولا لحياته، ولكن ربّنا سبحانه وتعالى إذا قضى أمرا في السماء؛ سبّح حملة العرش، ثم سبّح أهل كلّ سماء حتى ينتهي التسبيح إلى هذه السماء، ويستخبر أهل السماء حملة العرش ماذا قال ربّكم؟ فيخبرونهم، ويخبر أهل كلّ سماء، حتى ينتهي الخبر إلى هذه، فتتخطّف الجنّ، فيرمون، فما جاؤوا به فهو حقّ، ولكنهم يزيدون فيه»

قال الحافظ: فلو قال قائل: كيف تتعرض الجن لإحراق نفسها بسبب استماع خبر، بعد أن صار ذلك معلوما لهم؟! فالجواب: أن الله تعالى ينسيهم ذلك حتى تعظم المحنة، كما ينسى إبليس في كل وقت: أنه لا يسلم، وأن الله تعالى قال له: {وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلى يَوْمِ الدِّينِ} [٣٥] من سورة (الحجر)، ورقم [٧٨] من سورة (ص)، ولولا هذا لما تحقق التكليف. وأحسن من هذا ما ذكرته في سورة (الملك) رقم [٥]. تأمل، وتدبر، وربك أعلم.

الإعراب: {وَأَنّا:} الواو: حرف عطف. (أنّ): حرف مشبه بالفعل، ونا: اسمها. {كُنّا:}

فعل ماض ناقص مبني على السكون، و (نا): اسمه. {نَقْعُدُ:} فعل مضارع، والفاعل مستتر تقديره: «نحن». {مِنْها:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما، أو هما متعلقان بمحذوف حال من {مَقْعَدِ} كان نعتا له، على مثال ما رأيت في الآية رقم [٥]. {مَقْعَدِ:} ظرف مكان متعلق بما قبله. {لِلسَّمْعِ:} متعلقان بالفعل {نَقْعُدُ،} والجملة الفعلية في محل نصب خبر (كان)، وجملة: {كُنّا..}. إلخ في محل رفع خبر (أنّ)، و (أنّ) واسمها وخبرها كلام معطوف على ما قبله على الوجهين المعتبرين فيه. {فَمَنْ:} الفاء: حرف تفريع واستئناف. (من): اسم شرط جازم، مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. {يَسْتَمِعِ:} فعل مضارع فعل الشرط، والفاعل يعود إلى (من) تقديره: «هو»، والمفعول محذوف، يدل عليه المقام. {الْآنَ:} ظرف زمان متعلق بما قبله. {يَجِدْ:} فعل مضارع جواب الشرط، والفاعل يعود إلى (من)، تقديره: «هو». {لَهُ:}

جار ومجرور في محل نصب مفعول به ثان، تقدم على الأول. أو هما متعلقان بمحذوف حال من {رَصَداً} كان صفة له، وعلقهما الجمل ب‍: {رَصَداً} نفسه. {شِهاباً:} مفعول به. {رَصَداً:}

صفة {شِهاباً،} والجملة الفعلية: {يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً} لا محل لها؛ لأنها جملة جواب الشرط، ولم تقترن بالفاء، ولا بإذا الفجائية، وخبر المبتدأ، الذي هو (من) مختلف فيه، فقيل: جملة الشرط. وقيل: هو جملة الجواب. وقيل: الجملتان، وهو المرجح لدى المعاصرين، والجملة الاسمية معترضة بين المتعاطفات، كما هو ظاهر.

<<  <  ج: ص:  >  >>