للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ} وهو الذي يولد أعمى. {وَالْأَبْرَصَ} البرص: داء معروف، وهو بياض يظهر على جلد الإنسان ينفر منه الناس، فهو داء قبيح. ولم يقل في هذين: {بِإِذْنِ اللهِ} لأنهما ليس فيهما كبير غرابة بالنسبة لغيرهما من المعجزات، فتوهّم الألوهيّة فيهما بعيد، فلا يحتاج للتنبيه على نفيه.

{وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللهِ:} قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: قد أحيا أربعة أنفس: العاذر، وكان صديقا له، وابن العجوز، وابنة العاشر، وسام بن نوح. فأما عاذر؛ فإنه كان توفي قبل ذلك بأيام، فدعا الله، فقام بإذن الله، فعاش، وولد له. وأما ابن العجوز، فإنه مرّ به يحمل على سريره، فدعا الله، فقام، ولبس ثيابه، وحمل السّرير على عنقه، ورجع إلى أهله، وولد له. وأما ابنه العاشر؛ فكان أبوها يأخذ العشور من الناس، فكان أتى عليها ليلة، فدعا الله فعاشت، وولد لها، فلمّا رأوا ذلك؛ قالوا: إنّك تحيي من كان موته قريبا، فلعلّهم لم يموتوا، فأصابتهم سكتة، فأحي لنا سام بن نوح.

فقال لهم: دلّوني على قبره، فخرج، وخرج معه القوم؛ حتى انتهى إلى قبره، فدعا الله:

فخرج من قبره، وقد شاب رأسه، فقال له عيسى-عليه السّلام-: كيف شاب رأسك؛ ولم يكن في زمانكم شيب؟ فقال: يا روح الله! إنك دعوتني، فسمعت صوتا يقول: أجب روح الله!

فظننت: أنّ القيامة قد قامت، فمن هول ذلك شاب رأسي، فسأله عن النّزع، فقال: يا روح الله، إن مرارة النزع لم تذهب من حنجرتي، وقد كان من وقت موته أكثر من أربعة آلاف سنة، فقال للقوم: صدّقوه، فإنّه نبي! فآمن به بعضهم، وكذّبه بعضهم، وقالوا: هذا سحر.

{وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ} هذه معجزة أخرى؛ حيث كان يتكلّم بشيء من الغائب، فقد كان عليه الصلاة والسّلام يخبر الرّجل بما أكل البارحة، وبما يأكله اليوم، وبما يدّخر للعشاء. وقال سعيد بن جبير، وغيره: كان يخبر الصبيان في الكتّاب بما يدّخر آباؤهم؛ حتى منعوهم من الجلوس معه. {إِنَّ فِي ذلِكَ} أي: في الذي ذكر من المعجزات. {لَآيَةً لَكُمْ} أي: لعلامة، ودلالة على صدق أنّي رسول من الله إليكم. {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ:} مصدقين بذلك.

تنبيه: قال السّمين-رحمه الله تعالى-: قال تعالى في سورة (المائدة) رقم [١١٠]: {بِإِذْنِي} أربع مرات عقيب أربع جمل، وفي (آل عمران): {بِإِذْنِ اللهِ} مرّتين؛ لأن هناك أي: في آيات المائدة إخبار، فناسب الإيجاز، وهنا أي: في آيات (آل عمران) مقام تذكير بالنعمة، والامتنان، فناسب الإسهاب. انتهى بتصرف.

خاتمة: قال كثير من العلماء: بعث الله كلّ نبيّ من الأنبياء، وأيّده بمعجزة من جنس ما برع به قومه، فقد كان الغالب على زمان موسى عليه السّلام السّحر، وتعظيم السّحرة، فأيده الله بقلب العصا حيّة؛ حيث بهرت الأبصار، وحيّرت كل سحّار، فلما استيقن السّحرة: أنها من صنع

<<  <  ج: ص:  >  >>