رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:«سبحان الله فأين اللّيل إذا جاء النّهار؟» قيل: معناه-والله أعلم بذلك-: أنّه إذا دار الفلك حصل النّهار في جانب، والليل في ضدّ ذلك الجانب، فكذلك الجنّة في جهة العلوّ، والنار في جهة السّفل.
وروى طارق بن شهاب: أن ناسا من اليهود سألوا عمر بن الخطاب-رضي الله عنه-وعنده أصحابه، فقالوا: أرأيتم قولكم: {وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ} فأين النّار؟ فقال: فأين الليل إذا جاء النهار؟ فقالوا: إنّ لمثلها في التوراة. ومعناه: حيث يشاء الله تعالى.
وقيل: هذا تمثيل للعباد بما يعقلونه، ويقع في نفوسهم وأفكارهم، وأكثر ما يقع في نفوسهم مقدار السموات والأرض فشبه عرض الجنة بعرض السموات والأرض على ما يعرفه الناس. هذا؛ وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: تقرن السموات والأرض بعضها إلى بعض، كما تبسط الثياب، ويوصل بعضها ببعض، فذلك عرض الجنة، ولا يعلم طولها إلا الله، وهذا قول الجمهور، وذلك لا ينكر. فإن في حديث أبي ذر-رضي الله عنه-عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:«ما السّماوات السّبع والأرضون السّبع في الكرسيّ إلاّ كدراهم ألقيت في فلاة من الأرض، وما الكرسيّ في العرش إلاّ كحلقة ألقيت في فلاة من الأرض» فهذه مخلوقات أعظم بكثير جدّا من السموات والأرض، وقدرة الله أعظم من ذلك كله. هذا وانظر ما ذكرته في الآية رقم [٢١] من سورة (الحديد) تجد ما يسرّك، ويثلج صدرك، هذا؛ وفي الآية تشبيه بليغ حيث حذف أداة التشبيه، وصرح بها في آية (الحديد) رقم [٢١].
بعد هذا: فقد حثّنا الله هنا إلى المسارعة إلى ما يوجب مغفرة الذنوب، وحضّنا على المسابقة إلى مثل ذلك في سورة (الحديد) وقال في سورة (المائدة) رقم [٤٨]: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ:} وانظر ما ذكرته في الآية رقم [١٤٨] من سورة (البقرة) ففيها شفاء، ودواء لقلبك.
تنبيه: حثّ الله سبحانه وتعالى في الآيات التي ذكرتها على المسارعة إلى الأعمال الصّالحة، كما وصف أنبياءه بأنّهم كانوا يسارعون في الخيرات، وهذا لا يناقض ما روي:
«العجلة من الشيطان والتأنّي من الرّحمن» لأنه مستثنى منه، كما أنّ هناك أمورا تسنّ المبادرة إلى فعلها، كأداة الصّلاة المكتوبة إذا دخل وقتها، وقضاء الدّين بحقّ الموسر، وتزويج البكر البالغ إذا أتى الكفؤ لها، ودفن الميت، وإكرام الضّيف إذا نزل. وخذ ما يلي: فعن عليّ-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله له: «يا عليّ! ثلاث لا تؤخّرها، الصّلاة إذا أتت، والجنازة إذا حضرت، والأيّم إذا وجدت كفؤا». أخرجه الترمذيّ، وجاء في الشعر العربيّ الحثّ على العجلة. قال بشار بن برد الأعمى:[البسيط]
من راقب النّاس لم يظفر بحاجته... وفاز بالطّيّبات الفاتك اللهج