للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مقسم به قد أضمر حرف قسمه، كقولك: الله لأفعلن، وجوابه: لأملأن. و {وَالْحَقَّ أَقُولُ} على حكاية لفظ المقسم به على تقدير كونه نقيض الباطل، ومعناه التأكيد، والتشديد، وقال ابن هشام في «المغني»: وقرئ بجرهما على تقدير واو القسم في الأول، والثاني توكيدا، كقولك: والله، والله لأفعلنّ! وقرئ بجر الأول على إضمار حرف القسم، ونصب الثاني على المفعولية. انتهى.

وقرئ برفعهما بتقدير. فالحق قسمي، والحق أقوله، فحذف الرابط من الخبر، ومن ذلك قول أبي النجم، وهو الشاهد رقم (٣٦٥) من كتابنا: «فتح القريب المجيب»: [الرجز]

قد أصبحت أمّ الخيار تدّعي... عليّ ذنبا كلّه لم أصنع

{لَأَمْلَأَنَّ:} اللام: واقعة في جواب قسم محذوف. (أملأن): فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة؛ التي هي حرف لا محل له، والفاعل ضمير مستتر تقديره: «أنا».

{جَهَنَّمَ:} مفعول به، والجملة الفعلية جواب قسم محذوف، أو هي جواب المقدر كما رأيت في الكلام السابق. {مِنْكَ:} جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما. (ممن): جار ومجرور معطوفان على ما قبلهما. {تَبِعَكَ:} فعل ماض، والكاف مفعول به، والفاعل يعود إلى (من) وهو العائد، والجملة الفعلية صلة الموصول، لا محل لها. {مِنْهُمْ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال من الفاعل المستتر، و (من) بيان لما أبهم في (من). {أَجْمَعِينَ:} توكيد للضمير المجرور محلا ب‍: (من) مجرور مثله. وقيل: هو توكيد للضمير في: {مِنْكَ،} وللضمير المجرور في {مِنْهُمْ،} ولا بأس به، وعلامة جره الياء... إلخ. هذا؛ والكلام كله في محل نصب مقول القول، وجملة: {قالَ..}. إلخ مستأنفة، لا محل لها.

الشرح: ومما تقدم يتلخص المعنى: أن الله تعالى قال: أقسم بالحق، ولا أقول إلا الحق لأملأن جهنم منك ومن أتباعك يا إبليس! وقال تعالى في سورة (السجدة): {وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ..}. إلخ الآية رقم [١٣]، وقال تعالى في سورة (هود) على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ..}. إلخ أي: ثبت ذلك لما أخبر الله، وقدر في أزله، وتمام الكلمة: امتناعها عن قبول التغيير، والتبديل: {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ..}. إلخ، وهذا صريح بأن الله سبحانه وتعالى خلق أقواما للجنة، وللرحمة، فهداهم، ووفقهم لأعمال أهل الجنة، وخلق أقواما للنار، فخذلهم، ومنعهم من الهداية. وآية السجدة رقم [١٣] تصرح بهذا أتم تصريح. وخذ ما يلي.

فعن أبي سعيد الخدري-رضي الله عنه-عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «احتجّت الجنة والنار، فقالت النار: فيّ الجبارون، والمتكبرون، وقالت الجنة: فيّ ضعفاء المسلمين، ومساكينهم. فقضى الله بينهما: إنك الجنة رحمتي أرحم بك من أشاء، وإنك النّار عذابي أعذّب بك من أشاء، ولكليكما عليّ ملؤها». رواه مسلم، وانظر ما ذكرته في الآية رقم [٦٠] من سورة (الزمر).

<<  <  ج: ص:  >  >>