للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جبل؛ لتخشع، وتصدع. وإذا كان الجبل على عظمته، وتصلبه يعرض له الخشوع، والتصدع، فابن آدم كان أولى بذلك، لكنه على حقارته، وضعفه لا يتأثر. انتهى. صابوني.

وقال الحسن البصري-رحمه الله تعالى-: إذا كانت الجبال الصم لو سمعت كلام الله، وفهمته؛ لخشعت، وتصدعت من خشيته، فكيف بكم؛ وقد سمعتم وفهمتم؟! وقد قال تعالى:

{وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى} الاية رقم [٣١] من سورة (الرعد) انظر شرحها هناك. هذا؛ وقال الخازن وغيره: وهذا تمثيل؛ لأن الجبل لا يتصور منه الخشوع، والخشية إلا أن يخلق الله تعالى له تمييزا، وعقلا يدل على أنه تمثيل. انتهى. أقول:

انظر قوله تعالى في آخر سورة (الأحزاب): {إِنّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ..}. إلخ ففيها بحث قيم.

{وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} أي: وتلك الأمثال نفصلها، ونوضحها للناس لعلهم يتفكرون في آثار قدرة الله، وواحدانيته، فيؤمنون. وقال الخازن: أي الغرض من هذا التمثيل التنبيه على فساد قلوب هؤلاء الكفار، وقساوتها، وغلظ طباعهم. انتهى. وخذ قوله تعالى في سورة (العنكبوت) رقم [٤٣]: {وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلاَّ الْعالِمُونَ}.

هذا؛ والخشوع: الخضوع، والتواضع، والتذلل بوجه عام. وهو في الصلاة جوهرها ولبها، ويكون في القلب والجوارح، أما خشوع القلب فهو الخوف من الله، وحضوره معه حينما يقول المصلي: {إِيّاكَ نَعْبُدُ وَإِيّاكَ نَسْتَعِينُ} وملاحظة: أنه بين يديه تعالى في جميع حركاته، وسكناته، وأما خشوع الجوارح؛ فعدم الالتفات في الصلاة، وعدم رفع البصر إلى السماء، وعدم العبث بشيء من جسده، وثيابه. وخذ ما يلي.

فعن عائشة-رضي الله عنها وعن أبويها-. قالت: سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الالتفات في الصلاة، فقال: «هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد». متفق عليه، والاختلاس:

السرقة، والاختلاف. وعن أبي ذر-رضي الله عنه-عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يزال الله مقبلا على العبد، وهو في صلاته ما لم يلتفت، فإذا التفت؛ أعرض عنه». أخرجه أبو داود، والنسائي.

وعن أنس بن مالك-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السّماء في صلاتهم». فاشتد قوله في ذلك؛ حتى قال: «لينتهنّ عن ذلك، أو لتخطفنّ أبصارهم!». خرجه البخاري. وروي: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم أبصر رجلا يعبث بلحيته في الصلاة، فقال: «لو خشع قلب هذا؛ لخشعت جوارحه». ذكره البغوي بغير سند.

هذا؛ والخشية: خوف يشوبه تعظيم، وأكثر ما يكون ذلك عن علم بما يخشى منه، وهو المراد منه بخشية عباد الله المؤمنين المتكررة في القرآن الكريم. هذا؛ والماضي: خشي، والمصدر: خشية، والرجل خشيان، والمرأة خشيا، وهذا المكان أخشى من ذلك؛ أي: أشد خوفا. هذا؛ وقد يأتي الفعل خشي بمعنى علم القلبية. قال الشاعر المسلم: [الكامل]

<<  <  ج: ص:  >  >>