وعن ابن عباس-رضي الله عنهما-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إن الله ينهاكم عن التعرّي، فاستحيوا من ملائكة الله الذين معكم الكاتبين الّذين لا يفارقونكم إلا عند إحدى ثلاث حالات:
الغائط، والجنابة، والغسل، فإذا اغتسل أحدكم بالعراء، فليستتر بثوبه، أو بجرم حائط، أو ببعيره». وسبب ورود هذا الحديث: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم رأى رجلا يغتسل بفلاة من الأرض. وروي عن علي-رضي الله عنه-قال: لا يزال الملك موليا عن العبد ما زال بادي العورة، وروي: أن العبد إذا دخل الحمام بدون مئزر؛ لعنه ملكاه.
واختلف الناس في الكفار: هل عليهم حفظة، أم لا؟ فقال بعضهم: لا؛ لأن أمرهم ظاهر، وعملهم واحد. قال الله تعالى في سورة (الرحمن) رقم [٤١]: {يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ} وقيل: بل عليهم حفظة بدليل الآيات التي نحن بصدد شرحها، وقوله تعالى في سورة (الحاقة): {وَأَمّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ}. وقوله تعالى في سورة (الانشقاق): {وَأَمّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ} فأخبر الله: أن الكفار يكون لهم كتاب، ويكون عليهم حفظة. فإن قيل: الذي على يمينه؛ أي شيء يكتب، ولا حسنة له؟ قيل له: الذي يكتب عن شماله يكون بإذن صاحبه، ويكون شاهدا على ذلك؛ وإن لم يكتب. والله أعلم.
سئل سفيان الثوري-رحمه الله تعالى-: كيف تعلم الملائكة: أن العبد قد همّ بحسنة، أو سيئة؟! قال: إذا هم العبد بحسنة؛ وجدوا منه ريح المسك، وإذا هم بسيئة؛ وجدوا منه ريح النتن. هذا؛ ومن المعلوم، والمحفوظ: أن الحفظة من الملائكة غير الكتبة، انظر آية (الرعد) وآية (ق) ففيهما تفصيل، وتوضيح لذلك.
الإعراب:{وَإِنَّ:} الواو: واو الحال. (إن): حرف مشبه بالفعل. {عَلَيْكُمْ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر (إن) تقدم على اسمها. {لَحافِظِينَ:} اللام: لام الابتداء. (حافظين): اسم (إنّ) مؤخر منصوب، وعلامة نصبه الياء نيابة عن الفتحة؛ لأنه اسم فاعل جمع مذكر سالم، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد، وفاعله مستتر فيه، ومفعوله محذوف، التقدير: أعمالكم. أو حافظين لكم، والجملة الاسمية في محل نصب حال من واو الجماعة في {تُكَذِّبُونَ،} والرابط:
الواو، والضمير وجوز اعتبارها مستأنفة. {كِراماً كاتِبِينَ:} صفتان ل: (حافظين)، وعند التأمل يتبين لك: أن الثلاثة صفات لموصوف محذوف هم: «الملائكة». {يَعْلَمُونَ:} فعل مضارع مرفوع، والواو فاعله. {ما:} اسم موصول، أو نكرة موصوفة مبنية على السكون في محل نصب مفعول به، والجملة الفعلية بعدها صلتها، أو صفتها، والعائد، أو الرابط محذوف، التقدير: يعلمون الذي، أو شيئا يفعلونه. هذا؛ وإن اعتبرت {ما} مصدرية؛ فهي تؤول مع الفعل بعدها بمصدر في محل نصب مفعول به، التقدير: يعلمون فعلهم، والجملة الفعلية في محل نصب صفة ثالثة ل:(حافظين)، أو صفة رابعة، وإن اعتبرتها في محل نصب حال من الضمير المستتر ب:(حافظين) فلست مفندا.