سمع طعمة بذلك لحق بمكّة مرتدّا عن الإسلام، ونزل على سلافة بنت سعد بن شهيد، فقال حسّان-رضي الله عنه-بيتين يعرّض فيه بها، وهما: [الطويل]
وقد أنزلته بنت سعد وأصبحت... ينازعها جلد استها وتنازعه
ظننتم بأن يخفى الّذي قد صنعتم... وفينا نبيّ عنده الوحي واضعه
فلمّا بلغها ذلك، قالت له: إنّما أهديت إليّ شعر حسّان! وأخذت رحله، فطرحته خارج منزلها. ثمّ إنّ طعمة بن أبيرق عدا على الحجّاج بن علاط، فنقب عليه بيته، فسقط عليه حجر من الحائط، فلمّا أصبحوا، أخرجوه من مكّة، فلقي ركبا مسافرين. فعرض لهم، وقال: ابن سبيل، ومنقطع به، فحملوه معهم، حتى إذا جنّ الليل عدا عليهم، فسرقهم، وهرب، فركبوا في طلبه، فأدركوه، فرموه بالحجارة حتّى مات. ومن كانت هذه حاله كان كثير الخيانة، والإثم، فلذلك وصفه الله تعالى بالمبالغة في الخيانة، والإثم.
قال بعضهم: إذا عثرت من رجل على سيئة؛ فاعلم: أنّ لها أخوات. ويروى: أنّ عمر -رضي الله عنه-أمر بقطع يد سارق، فجاءت أمّه تبكي، وتقول: هذه أوّل سرقة سرقها، فاعف عنه يا أمير المؤمنين! فقال: كذبت ما كان الله ليفضحه من أوّل مرة.
الإعراب: {إِنّا:} حرف مشبه بالفعل. و (نا): اسمها، حذفت نونها للتّخفيف، وبقيت الألف دليلا عليها. {أَنْزَلْنا:} فعل وفاعل، والجملة الفعلية في محل رفع خبر (إنّ)، والجملة الاسمية مبتدأة، أو مستأنفة، لا محلّ لها. {إِلَيْكَ:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما.
{الْكِتابَ:} مفعول به. {بِالْحَقِّ:} متعلقان بمحذوف حال من الكتاب؛ أي: ملتبسا بالحقّ.
{لِتَحْكُمَ:} فعل مضارع منصوب ب «أن» مضمرة بعد لام التعليل، والفاعل تقديره: أنت، و «أن» المضمرة، والفعل المضارع في تأويل مصدر في محل جر باللام، والجار والمجرور متعلقان بالفعل: {أَنْزَلْنا}. {بَيْنَ:} ظرف مكان متعلق بالفعل قبله، و {بَيْنَ} مضاف، و {النّاسِ:}
مضاف إليه. {بِما:} جار، ومجرور متعلقان بالفعل: (تحكم)، و (ما) موصولة، أو موصوفة.
{أَراكَ:} فعل ماض مبني على فتح مقدّر على الألف للتعذّر، والكاف مفعول به أوّل. {اللهُ:}
فاعله، والجملة الفعلية صلة (ما) أو صفتها، والعائد أو الرابط محذوف؛ إذ التقدير: بالذي، أو:
بشيء أراكه الله. {وَلا:} الواو: حرف عطف. ({لا}): ناهية جازمة. {تَكُنْ:} فعل مضارع ناقص مجزوم ب ({لا}) واسمه ضمير مستتر تقديره: «أنت». {لِلْخائِنِينَ:} متعلقان ب {خَصِيماً} بعدهما الّذي هو خبر: {تَكُنْ،} وجملة: {وَلا تَكُنْ..}. إلخ معطوفة على جملة محذوفة، يدل عليها النظم الكريم، كأنّه قيل: فاحكم به، ولا تكن... إلخ. ولا يعزب عن بالك: أنّ الفاء المقدّرة إنّما هي الفاء الفصيحة؛ لأنّها تفصح عن شرط مقدر، التقدير: وإذا كان ذلك حاصلا؛ فاحكم... إلخ، والكلام كلّه لا محلّ له؛ لأنّه معطوف على الجملة الاسمية قبله.