للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ}. وقيل: النجم: هو الكوكب، وسجوده: طلوعه. والقول الأول أظهر؛ لأنه ذكره مع الشجر في مقابلة الشمس، والقمر، ولأنهما أرضيان في مقابلة سمائيين.

ومعنى {يَسْجُدانِ} ينقادان لله تعالى فيما خلقا له تشبيها بالساجد من المكلفين في انقياده، واتصلت هاتان الجملتان ب‍: {الرَّحْمنُ} بالوصل المعنوي، لما علم: أن الحسبان حسبانه، والسجود له، لا لغيره، كأنه قيل: الشمس والقمر بحسبانه، والنجم والشجر يسجدان له، ولم يذكر العاطف في الجمل الأول، ثم جيء به بعد؛ لأن الأول وردت على سبيل التعديد تبكيتا لمن أنكر آلاءه، كما يبكت منكر أيادي المنعم عليه من الناس بتعديدها عليه في المثال المذكور، ثم رد الكلام إلى منهاجه بعد التبكيت في وصل ما يجب وصله للتناسب، والتقارب بالعطف، وبيان التناسب: أن الشمس، والقمر سماويان، والنجم، والشجر أرضيان، فبين القبيلين تناسب من حيث التقابل، وأن السماء، والأرض لا تزالان تذكران قرينتين، وأن جري الشمس، والقمر بحسبان من جنس الانقياد لأمر الله تعالى، فهو مناسب لسجود الشمس، والقمر.

{وَالسَّماءَ رَفَعَها:} خلقها مرفوعة محلا، ومرتبة، فإنها منشأ أقضيته، ومتنزل أحكامه، ومحل ملائكته، الذين يهبطون بالوحي على أنبيائه، ونبه بذلك على كبرياء شأنه، وملكه، وسلطانه. {وَوَضَعَ الْمِيزانَ} أي: كل ما توزن به الأشياء، وتعرف مقاديرها من ميزان، ومكيال ومقياس؛ أي: خلقه موضوعا على الأرض، حيث علق به أحكام عباده من التسوية، والتعديل في أخذهم، وإعطائهم. {أَلاّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ} أي: لا تجاوزوا العدل، ولئلا تميلوا، وتظلموا، وتجوروا بأكل أموال الناس بالباطل. هذا؛ والطغيان في كل شيء مجاوزة الحد، ومنه قوله تعالى في سورة (الحاقة): {إِنّا لَمّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ}. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

الإعراب: {الشَّمْسُ:} مبتدأ. {وَالْقَمَرُ:} الواو: حرف عطف. (القمر): معطوف على ما قبله. {بِحُسْبانٍ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر المبتدأ، التقدير: يجريان بحسبان، قال ابن هشام في المغني: فإن قدرت الكون قدرت مضافا؛ أي: جريان الشمس والقمر كائن بحسبان، والجملة الاسمية مستأنفة، لا محل لها. {وَالنَّجْمُ:} الواو: حرف عطف. (النجم):

مبتدأ. {وَالشَّجَرُ:} معطوف على ما قبله. {يَسْجُدانِ:} فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ثبوت النون، والألف فاعله، والجملة الفعلية في محل رفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية معطوفة على ما قبلها، لا محل لها مثلها. {وَالسَّماءَ:} مفعول به لفعل محذوف يفسره المذكور، وهو ما يسمى بالاشتغال، وقرئ بالرفع على أنه مبتدأ. {رَفَعَها:} فعل ماض، والفاعل يعود إلى {الرَّحْمنُ،} (وها): مفعول به، والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنها مفسرة على نصب (السماء)، وفي محل رفع خبره على رفعه، وعلى الاعتبارين فالجملة معطوفة على ما قبلها، لا محل لها أيضا، وجملة {وَوَضَعَ الْمِيزانَ} معطوفة عليها، لا محل لها. {أَلاّ تَطْغَوْا:} فالفعل منصوب ب‍: «أن» على اعتبارها مصدرية، و (لا) نافية، وعلامة نصبه حذف النون؛ لأنه من الأفعال

<<  <  ج: ص:  >  >>