الأولى، كما روى البخاري عن أنس-رضي الله عنه-عن النبي صلّى الله عليه وسلّم بأنه قال:«إنّما الصّبر عند الصّدمة الأولى». أخرجه مسلم بأتم منه، وقال الأستاذ أبو علي: الصّبر حدّه: ألا تعترض على التقدير، فأما إظهار البلوى على غير وجه الشّكوى؛ فلا ينافي الصبر، قال تعالى في قصة أيوب -على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-: {إِنّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ} وبعد أخبر عنه: أنه قال: {أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ}.
ثمّ اعلم: أن الصبر ذكر في القرآن الكريم في خمسة وتسعين موضعا، ومن أجمعها الآية رقم [١٥٥] الآتية، وما بعدها:{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ،} ومن آنفها قوله تعالى في سورة (ص) في حقّ أيوب-على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-: {إِنّا وَجَدْناهُ صابِراً} حيث قرن هاء الصبر بنون العظمة، ومن أبهجها قوله تعالى في سورة (الرّعد) في الآيتين [٢٣ و ٢٤]: {وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ (٢٣) سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ} ومن أعظمها بشارة قوله تعالى في سورة (الزّمر) رقم [١٠]{إِنَّما يُوَفَّى الصّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ}
فائدة: قال الله تعالى: {فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً،} وقال جل ذكره: {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ،} وقال تعالى جل شأنه: {وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً}. قالوا: الصبر الجميل هو الذي لا شكاية معه، والصفح الجميل هو الذي لا عقاب معه، والهجر الجميل هو الذي لا أذية معه.
{وَالصَّلاةِ:} أفردها الله بالذكر من بين العبادات تعظيما لشأنها؛ لأنها جامعة لأنواع العبادات النّفسانية، والبدنيّة، من الطهارة، وستر العورة، وصرف المال فيها، والتوجّه إلى الكعبة، والعكوف للعبادة، وإظهار الخشوع بالجوارح، وإخلاص النية بالقلب، ومجاهدة الشيطان، ومناجاة الحق، وقراءة القرآن، والتكلّم بالشهادتين، وكف النفس عن شهوتي الفرج، والبطن. انتهى. جمل نقلا من كرخي.
وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم إذا حزبه أمر؛ فزع إلى الصلاة، وكان إذا سمع بلالا ينادي: إلى الصّلاة؛ نهض مسرعا، وسعى متشوقا، وهو يقول:«أرحنا بها يا بلال». قالت السيدة عائشة-رضي الله عنها-: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحدّثنا، ونحدّثه حتى إذا جاء وقت الصلاة؛ قام كأنه لا يعرفنا، ولا نعرفه؛ لأنّه صلّى الله عليه وسلّم أحبّ الصلاة من كلّ قلبه؛ حتى استولت على لبّه، فكان دائما مشغولا بها، كلما فرغ منها؛ عاد إليها، لم ينسها في جهاده، ولم يتركها في مرضه، فلمّا جاء الأجل؛ أخذ يذكرها، ويحثّ أصحابه على فعلها، وسمع في حالة الغرغرة يقول:«أوصيكم بالصّلاة، أوصيكم بالصّلاة، أوصيكم بالصّلاة». حتى خرجت روحه إلى مولاه، فكان آخر كلامه في الدّنيا الوصية بالصّلاة.
وعن عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما-قال: ذكر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الصلاة يوما، فقال:«من حافظ عليها؛ كانت له نورا، ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها؛ لم يكن له نور، ولا برهان، ولا نجاة، وحشر يوم القيامة مع فرعون، وهامان، وقارون، وأبيّ بن خلف».