قال العلماء: وسبب ذكر هؤلاء: أن من ترك الصلاة بسبب الملك والسلطان حشر مع فرعون، ومن تركها بسبب السياسة والرئاسة حشر مع هامان، ومن تركها بسبب جمع المال حشر مع قارون، ومن تركها بسبب الخصام والجدال حشر مع أبيّ بن خلف.
وعن عبادة بن الصّامت-رضي الله عنه-قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «خمس صلوات كتبهنّ الله على العباد، فمن جاء بهنّ، ولم يضيع منهنّ شيئا استخفافا بحقّهنّ؛ كان له عند الله عهد أن يدخله الجنّة، ومن لم يأت بهنّ؛ فليس له عند الله عهد، إن شاء عذبه، وإن شاء أدخله الجنّة». رواه مالك، وأبو داود، والنّسائيّ.
وكان السّلف يرون في الصلاة أيضا تفريج همومهم، والتنفيس عن كروبهم، فقد روي: أن عبد الله بن عباس-رضي الله عنهما-نعي له أخوه: قثم، وقيل: بنت له، وهو في سفر، فاسترجع. وقال: عورة سترها الله، ومئونة كفاها الله، وأجر ساقه الله، ثم تنحّى عن الطّريق، وصلّى، ثم انصرف إلى راحلته، وهو يقرأ:{وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ} وانظر الآية رقم [٤٣].
{وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ:} قال القرطبي رحمه الله تعالى: اختلف المتأولون في عود الضمير؛ فقيل:
على الصّلاة وحدها خاصّة؛ لأنها تشقّ على النفوس ما لا يشق الصوم، فالصلاة فيها سجن النفوس، والصّوم إنّما فيه منع الشهوة، فليس من منع شهوة واحدة، أو شهوتين كمن منع جميع الشهوات، فالصّائم إنّما منع شهوة النساء والطّعام، والشراب، ثم ينبسط في سائر الشّهوات من الكلام، والمشي، والنّظر إلى غير ذلك من ملاقاة الخلق، فيتسلّى بتلك الأشياء عمّا منع، والمصلّي يمنع من جميع ذلك، فجوارحه كلّها مقيّدة بالصّلاة عن جميع الشّهوات، وإذا كان ذلك؛ كانت الصلاة أصعب على النفس، ومكابدتها أشقّ، فلذلك قال تعالى:{وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ}.
وقيل: يعود الضمير عليهما، ولكنّه كنى عن الأغلب، وهو الصّلاة، كقوله تعالى في سورة (التوبة) رقم [٣٤]: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ،} وقوله تعالى في سورة (الجمعة): {وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها} فرد الكناية إلى الفضّة؛ لأنها الأغلب والأعم، وإلى التجارة؛ لأنها الأفضل والأهم. وقيل: إنّ الصبر لمّا كان داخلا في الصّلاة؛ أعاد عليها الضمير وحدها كما قال تعالى في سورة (التّوبة) رقم [٦٢]: {وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ} فلم يقل: يرضوهما؛ لأنّ رضا الرّسول داخل في رضا الله، عز وجل. انتهى.
{إِلاّ عَلَى الْخاشِعِينَ:} جمع خاشع، وهو المتواضع، والخشوع هيئة في النفس يظهر منها في الجوارح سكون، وتواضع. وقال قتادة رحمه الله تعالى: الخشوع في القلب، وهو الخوف، وغضّ البصر في الصّلاة. وقال الزجّاج: الخاشع الذي يرى أثر الذلّ، والخشوع عليه كخشوع الدّار بعد الإقواء.
قال سفيان الثّوري-رحمه الله تعالى-: سألت الأعمش عن الخشوع، فقال: يا ثوري! أنت تريد أن تكون إماما للناس، ولا تعرف الخشوع؟! سألت إبراهيم النخعي عن الخشوع، فقال: