للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عقلا ورقما تكاد الطّير تخطفه... كأنّه من دم الأجواف مدموم

هذا والعقل: جوهر لطيف في البدن ينبت شعاعه منه بمنزلة السّراج في البيت، يفصل به بين حقائق المعلومات، ثم اختلفوا في محلّه. فقالت طائفة منهم: محلّه الدّماغ؛ لأنّ الدّماغ محل الحسّ. وقالت طائفة أخرى: محلّه القلب؛ لأنّ القلب معدن الحياة، ومادة الحواس، ويردّ هذين القولين: أنّ فاقد العقل لم يفقد دماغه، ولا قلبه، بل هما موجودان فيه. بل القول الصّحيح: إنّ هناك لطيفة ربانيّة لا يعلمها إلا الله تعالى: فمن حيث تفكّرها تسمى: عقلا، ومن حيث حياة الجسد بها تسمّى: روحا، ومن حيث شهوتها تسمّى: نفسا. انظر الآية رقم [٩].

وقال الخازن رحمه الله تعالى: والعقل قوّة تهيئ قبول العلم، ويقال للعلم الذي يستفيد منه الإنسان بتلك القوّة: عقل، ومنه قول عليّ بن أبي طالب-رضي الله عنه-: [الهزج]

وإنّ العقل عقلان... فمطبوع ومسموع

ولا ينفع مطبوع... إذا لم يك مسموع

كما لا تنفع الشّمس... وضوء العين ممنوع

هذا؛ والهمزة في قوله: {أَفَلا} للإنكار كما رأيت، وهي في نية التأخير عن الفاء؛ لأنها حرف عطف، وكذا تقدّم على الواو، وثمّ، تنبيها على أصالتها في التصدير، نحو قوله تعالى:

{أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ..}. إلخ، {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ..}. إلخ، {أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ}. وأخواتها تتأخر عن حروف العطف، كما هو قياس جميع أجزاء الجملة المعطوفة، نحو قوله تعالى: {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللهِ،} {فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ..}. إلخ.

هذا مذهب سيبويه والجمهور، وخالف في ذلك جماعة، أوّلهم الزمخشري، فزعموا: أنّ الهمزة في الآيات المتقدمة في محلها الأصلي، وأنّ العطف على جملة مقدرة بينها وبين العاطف، فيقولون: التقدير في: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا..}. إلخ، {أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً} {أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ} أمكثوا في الأرض فلم يسيروا؟ أنهملكم، فنضرب عنكم؟ أتؤمنون في حياته، فإن مات، أو قتل... إلخ. ويضعف قولهم ما فيه من التكلّف، وأنه غير مطّرد في جميع المواضع.

انتهى مغني اللبيب بتصرف. وانظر الآية رقم [١٠٠].

الإعراب: {أَتَأْمُرُونَ:} الهمزة: حرف استفهام وتوبيخ. ({تَأْمُرُونَ}): فعل مضارع مرفوع، والواو فاعله. {النّاسَ:} مفعول به. {بِالْبِرِّ} متعلقان بالفعل قبلهما، والجملة الفعلية مستأنفة لا محل لها، وجملة: ({تَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ}): معطوفة عليها، لا محل لها مثلها.

{وَأَنْتُمْ:} الواو: واو الحال. ({أَنْتُمْ}) ضمير منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ.

{تَتْلُونَ:} فعل مضارع وفاعله. الكتاب: مفعول به، والجملة الفعلية في محل رفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية في محل نصب حال من واو الجماعة، والرابط الواو، والضمير.

<<  <  ج: ص:  >  >>