فيها من الشك، والتكذيب. وقال ابن أسلم:{حَتّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ} يعني: ما فيها من الشك. قال: فزع الشيطان عن قلوبهم، وفارقهم، وأمانيهم، وما كان يضلهم. هذا؛ و (فزع عنه) بالبناء للمعلوم، وبالتشديد: أذهب عنه الفزع، و (الفزع) بفتحتين: الذعر، والمخافة، والإغاثة.
وفي كتاب اللغة: وفزع عن قلبه: كشف عنه الفزع، فالتضعيف هنا للسلب، كما قال: قردت البعير؛ أي: أزلت عنه قراده.
{قالُوا ماذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} قال: وهذا في بني آدم-هذا عند الموت- أقروا حين لا ينفعهم الإقرار. وقد اختار ابن جرير القول الأول: أن الضمير عائد على الملائكة، وهذا هو الحق، الذي لا مرية فيه لصحة الأحاديث فيه، والآثار.
قال البخاري عند تفسير هذه الآية الكريمة في صحيحه: عن سفيان، عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن نبي الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا قضى الله تعالى الأمر في السماء؛ ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله، كأنه سلسلة على صفوان، فإذا {فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا ماذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا} للذي قال: {الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} فيسمعها مسترق السمع، ومسترق السمع، هكذا بعضه فوق بعض-ووصف سفيان بكفّه، فحرفها، ونشر بين أصابعه-فيسمع الكلمة، فيلقيها إلى من تحته، ثم يلقيها الآخر إلى من تحته، حتى يلقيها على لسان الساحر، أو الكاهن، فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها، وربما ألقاها قبل أن يدركه، فيكذب معها مائة كذبة، فيقال: أليس قد قال لنا يوم كذا، وكذا: كذا، وكذا، فيصدّق بتلك الكلمة التي سمع من السماء». أخرجه البخاريّ، ورواه أبو داود، والترمذي. وعن النواس بن سمعان-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا أراد الله تبارك وتعالى أن يوحي بأمره؛ تكلّم بالوحي، فإذا تكلّم؛ أخذت السموات منه رجفة، -أو قال: رعدة-شديدة من خوف الله تعالى، فإذا سمع بذلك أهل السموات؛ صعقوا، وخرّوا لله سجدا، فيكون أول من يرفع رأسه جبريل عليه الصلاة والسّلام، فيكلّمه من وحيه بما أراد، فيمضي به جبريل-عليه الصلاة، والسّلام-على الملائكة، كلما مرّ بسماء يسأله ملائكتها: ماذا قال ربّنا يا جبريل! فيقول: قال الحقّ، وهو العلي الكبير. فيقولون كلّهم مثل ما قال جبريل، فينتهي جبريل بالوحي إلى حيث أمره الله تعالى من السماء، والأرض». أخرجه ابن أبي حاتم، وابن جرير، وابن خزيمة عن النواس بن سمعان مرفوعا. انتهى. مختصر ابن كثير. ومثله في القرطبي، وزاد القرطبي ما يلي:
وذكر البيهقي عن ابن عباس-رضي الله عنهما-في قوله تعالى:{حَتّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ} قال: كان لكل قبيلة من الجن مقعد من السماء يستمعون منه الوحي، وكان إذا نزل الوحي؛ سمع له صوت كإمرار السلسلة على الصّفوان، فلا ينزل على أهل سماء إلا صعقوا، فإذا فزع عن قلوبهم؛ قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا: الحق، وهو العلي الكبير، ثم يقول: يكون العام كذا، ويكون كذا، فتسمعه الجنّ، فيخبرون به الكهنة، والكهنة الناس، يقولون: يكون العام كذا