المهالك، والنار مظنّة الخيانة، والإفناء، والتراب مئنّة الأمانة، والإنماء، والطين يطفئ النار، ويتلفها، والنار لا تتلفه، وهذه فضائل غفل عنها إبليس، حتى زل بفاسد من المقاييس. انتهى.
نسفي في سورة (الأعراف)، وقد عبر بشار بن برد الأعمى عن هذه الأفضلية بقوله: [الكامل]
إبليس أفضل من أبيكم آدم... فتبيّنوا يا معشر الأشرار
النار عنصره وآدم طينة... والطّين لا يسمو سموّ النار
وقال الخازن هنا: وأخطأ إبليس في القياس؛ لأن مال النار إلى الرماد الذي لا ينتفع به، والطين أصل كل ما هو نام ثابت، كالإنسان، والشجرة المثمرة، ومعلوم: أن الإنسان، والشجرة المثمرة خير من الرماد، وأفضل. وقيل: هب: أن النار خير من الطين بخاصية، فالطين خير منها وأفضل بخواص، وذلك مثل رجل شريف نسيب عار عن كل فضيلة، فإن نسبه يوجب رجحانه بوجه واحد، ورجل ليس بنسيب، ولكنه فاضل عالم. فيكون أفضل من ذلك النسيب بدرجات كثيرة. انتهى.
ظاهر النصوص الكريمة يشير إلى أن إبليس كان من الملائكة بدليل الاستثناء في قوله تعالى:
{فَسَجَدُوا إِلاّ إِبْلِيسَ} وإلى هذا الرأي: ذهب بعض العلماء، وذهب المحققون من العلماء: أنه لم يكن من الملائكة، واستدلوا ببضعة أدلة، نوجزها فيما يلي:
أولا: لو كان إبليس من الملائكة لما عصى الله؛ لأن الملائكة لا يعصون الله، قال تعالى في حقهم: {لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ} سورة (التحريم) رقم [٦].
ثانيا: الملائكة من نور، وإبليس من نار، وهو يقول عن نفسه بصريح الآية التي نحن بصدد شرحها، فلو كان من الملائكة لقال: خلقتني من نور، وخلقته من طين، وفي الحديث الصحيح عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قوله: «خلق الملائكة من نور، وخلقت الجانّ من مارج من نار، وخلق آدم ممّا وصف لكم».
ثالثا: ورد النص في سورة (الكهف) وهو يدل على أن إبليس كان من الجن، وأنه امتنع من السجود لفسقه وضلاله قال تعالى: {وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاّ إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} رقم [٥١].
رابعا: أن الملائكة لا تتناكح، ولا تتناسل، والله أخبر عن إبليس بأن له ذرية فقال تعالى:
{أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي} آية (الكهف) المذكورة، ولو كان من الملائكة لما كان له ذرية، ونسل.
هذا؛ و {خَيْرٌ} أفعل تفضيل أصله: أخير، نقلت حركة الياء للخاء؛ لأن الحرف الصحيح أولى بالحركة من حرف العلة، ثم حذفت الهمزة استغناء عنها بحركة الخاء. ومثله قل في حب، وشر، اسمي تفضيل؛ إذ أصلهما: أحبب، وأشرر، فنقلت حركة الباء الأولى، والراء الأولى إلى