للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إبراهيم، وجعلها عليه بردا، وسلاما. وبقاء هذا الجمع العظيم في هذه المساحة من الأرض مدّة أربعين سنة، بحيث لم يخرج منهم أحد، إنّما هو من باب خرق العادة، وهو في زمن الأنبياء غير مستبعد.

ولمّا آذاهم حرّ الشمس؛ أرسل الله عليهم الغمام يظلّهم في النهار، وأرسل عمودا من نور يطلع في الليل، فيضيء لهم طريقهم، وكان طعامهم من المنّ، والسلوى، قال تعالى في سورة (البقرة) رقم [٥٧] مذكّرا الأبناء بنعمه على الآباء: {وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى}. وكان ماؤهم من الحجر الّذي يحملونه، فيضربه موسى بعصاه، فينفجر منه اثنتا عشرة عينا، قال تعالى في سورة (البقرة) رقم [٦٠]: {وَإِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ..}. إلخ، ومثلها في الأعراف رقم [١٦٠]، ولكن نفوسهم الخبيثة كرهت المنّ، والسّلوى، وطلبوا الثّوم، والبصل، وغيرهما، وقد قال تعالى في سورة (البقرة) رقم [٦١]: {وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ..}. إلخ. هذا؛ وأعطوا من الكسوة ما هي قائمة لهم دائمة، فينشأ الناشئ منهم فتكون معه على مقدار هيئته، ولا تبلى حتّى يموت.

تنبيه: توفي هارون عليه السّلام في التيه قبل موسى، ولم يره بنو إسرائيل، فقالوا لموسى:

أنت قتلته لحبّنا إيّاه، وكان عليه السّلام رفيقا لطيفا بهم، فقال موسى: ويحكم إنّ هارون أخي، أفتروني أنّي أقتله؟! فلما أكثروا عليه؛ قام فصلى ركعتين، ثمّ دعا الله-عزّ وجل-فرفعت الملائكة سرير هارون بأمر الله عزّ وجل؛ حتى مروا به على بني إسرائيل، وتكلّمت الملائكة بموته، فصدقت بنو إسرائيل: أنّه مات. وبرّأ الله موسى ممّا قالوه، ثمّ إنّ الملائكة حملوه، ودفنوه، ولم يطّلع على موضع قبره أحد.

وفي رواية أخرى: أوحى الله إلى موسى أن انطلق بهم إلى قبره فإنّي باعثه؛ حتى يخبرهم:

أنّه مات موتا، ولم تقتله. فانطلق بهم إلى قبره، فنادى: يا هارون! فخرج من قبره ينفض رأسه، فقال: أنا قتلتك؟! قال: لا، ولكنّي متّ، قال: فعد إلى مضجعك. وانصرف.

وأمّا موسى-عليه السّلام-، فقال ابن إسحاق: كان صفيّ الله موسى-عليه السّلام-قد كره الموت، وأعظمه، فأراد الله أن يحبب إليه الموت، فنبأ يوشع بن نون، فكان موسى يغدو، ويروح إليه، ويقول له: يا نبيّ الله! ما أحدث الله إليك؟ فيقول له يوشع: يا نبيّ الله ألم أصحبك كذا، وكذا سنة؟ فهل كنت أسألك عن شيء ممّا أحدث الله إليك حتى كنت أنت تبتدئ به، وتذكره لي؟ ولا يذكر له شيئا، فلمّا رأى موسى ذلك كره الحياة، وأحبّ الموت. وخذ ما يلي:

فعن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أرسل ملك الموت إلى موسى، عليه الصلاة والسّلام، فلمّا جاءه صكّه، ففقأ عينه، فرجع إلى ربّه، فقال: أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت، قال: فردّ الله إليه عينه، وقال: ارجع إليه، فقل له يضع يده على متن ثور، فله بما

<<  <  ج: ص:  >  >>