للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غطّت يده بكلّ شعرة سنة، قال: أي ربّ! ثمّ مه؟ قال: ثمّ الموت، قال: فالآن». فسأل الله أن يدنيه من الأرض المقدّسة رمية بحجر، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فلو كنت ثمّ لأريتكم قبره إلى جانب الطّريق تحت الكثيب الأحمر». أخرجه مسلم.

واختلف العلماء في تأويل لطم موسى عين ملك الموت، وفقئها على أقوال كثيرة، والصّحيح من هذه الأقوال: أنّ موسى-على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-عرف ملك الموت، وأنّه جاءه ليقبض روحه، لكنه جاء مجيء الجازم بأنّه قد أمر بقبض روحه من غير تخيير، وعند موسى ما قد نصّ عليه نبيّنا محمد صلّى الله عليه وسلّم من أنّ الله لا يقبض روح نبيّ حتى يخيّره، فلمّا جاء على غير هذا الوجه الذي أعلم؛ بادر بشهامته، وقوّة نفسه إلى أدبه، فلطمه، ففقأ عينه امتحانا لملك الموت؛ إذ لم يصرح له بالتّخيير، وممّا يدل على صحة هذا: أنّه لما رجع ملك الموت، فخيره بين الحياة والموت؛ اختار الموت، واستسلم. والله بغيبه أحكم، وأعلم، هذا أصحّ ما قيل في وفاة موسى، على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام. وقد ذكر المفسرون في ذلك قصصا، وأخبارا الله أعلم بصحّتها، وفي الصحيح غنية عنها، وكان عمره مائة وعشرين سنة يوم توفي.

خاتمة: بعد وفاة موسى، وهارون في التيه على المعتمد تولى يوشع-عليه السّلام-أمر بني إسرائيل؛ لأنّ الله منحه النبوة، والرسالة، فلمّا انقضت الأربعون سنة أخبرهم أنّ الله عزّ وجل قد أمره بقتال الجبّارين، فصدّقوه، وتابعوه، فتوجه بهم إلى مدينة الجبّارين، وهي أريحا، وقيل:

بيت المقدس، فحاصرها حتى فتحها، وكان فتحها يوم الجمعة بعد العصر، وبقيت من الجبّارين بقيّة، وكادت الشمس أن تغرب، وخشي دخول السّبت عليهم، فقال مخاطبا الشمس: إنّك مأمورة، وأنا مأمور، اللهم احبسها عليّ! فحبسها الله؛ حتّى فتحها، وأمره الله أن يأمر بني إسرائيل أن يدخلوا باب المدينة المفتوحة سجّدا، وأن يقولوا: حطّة، أي: حطّ عنا يا ربنا ذنوبنا. فبدّلوا ما أمروا به، ودخلوا يزحفون على أستاههم، وهم يقولون: حبّة في شعرة. انظر الآيتين [٥٨ و ٥٩] من سورة (البقرة)، والآيتين رقم [١٦١ و ١٦٢] من سورة (الأعراف)، حيث انتقم الله منهم، وإذا عرفت: أنّ الذين كانوا مع يوشع عليه السّلام هم أبناء الذين خالفوا أمر موسى عليه السّلام، وتاهوا؛ عرفت الخبث، واللّؤم المتأصّل في اليهود.

والحكمة في حبس الشمس على يوشع-عليه السّلام-عند قتاله الجبّارين، وإشرافه على فتح المدينة المذكورة عشيّ يوم الجمعة، وإشفاقه من أن تغرب الشمس قبل الفتح: أنه لو لم تحبس عليه حرم عليه القتال لأجل السّبت، ويعلم به عدوهم فيعمل بهم السّيف، ويجتاحهم، فكان ذلك آية خصّ بها بعد أن كانت نبوّته ثابتة بخبر موسى، على نبينا، وعليهم جميعا ألف صلاة، وألف سلام.

<<  <  ج: ص:  >  >>